تتكون أجسادنا من ذرات؛ ومع كل شهيق، يدخل جسدَك ملايينُ مليارات المليارات من ذرات الأكسجين، وهو ما يمنحك فكرةً عن مدى ضآلة كل ذرة من هذه الذرات. وكلُّ هذه الذرات، إضافةً إلى ذرات الكربون الموجودة في جسدك — بل في الواقع جميع الذرات الأخرى الموجودة على سطح الأرض —
تكوَّنَتْ داخل النجوم منذ نحو خمسة مليارات عام. أنت إذن تتألَّف من مادة تتساوى في عمرها مع عمر كوكبنا، ويبلغ عمرها ثلثَ عمر الكون، مع أن هذه هي المرة الأولى التي تتجمع فيها تلك الذرات على هذا النحو بحيث تتفكَّر في نفسها بوصفها إنسانًا.
فيزياء الجسيمات هي المجال الذي بيَّنَ لنا كيف تُبنَى المادة، وهي المجال الذي يشرع في تفسير من أين جاءت المادة بكل صورها. في المعجلات العملاقة — الممتدة طولًا عادةً لأميال عدة — يمكننا تعجيل أجزاء من الذرات؛ جسيمات على غرار الإلكترونات والبروتونات، بل يمكننا أيضًا تعجيل أجزاء من المادة المضادة، ثم دفعها للاصطدام بعضها ببعض. وحين نفعل هذا فإننا ننتج — للحظة وجيزة وفي مساحة مكانية صغيرة — تركيزًا شديدًا للطاقة، يماثل ما كان عليه الكون بعد انقضاء جزء يسير من الثانية على الانفجار العظيم. وبهذا نكتسب المعرفةَ بشأن أصولنا.
إن تطبيقات تكنولوجيا فيزياء الطاقة العالية واكتشافاتها غفيرة، بَيْدَ أن هذا الهدف التكنولوجي ليس هو الهدف الذي يجري من أجله البحث في هذا المجال، بل الباعث هو الفضول، والرغبة في معرفة المادة التي نتكوَّن منها، ومن أين أتَتْ، والسبب وراء ذلك التوازن الدقيق الذي تتَّسِم به قوانين الكون والذي يقف خلف تطوُّرنا.
في هذه المقدمة القصيرة جدًّا آمُل أن أمنح القارئ لمحةً عمَّا وجدناه، وعن بعض الأسئلة الكبرى التي تواجهنا في مطلع القرن الحادي والعشرين.
بيانات الكتاب
الأسم : فيزياء الجسيمات
المؤلف : فرانك كلوس
المترجم : محمد فتحي خضر
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 147 صفحة
الحجم : 8 ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م
إرسال تعليق