الأعداد لــ بيتر إم هيجنز




كيف لا تفكِّر في الأعداد؟

إننا معتادون جميعًا على رؤية الأعداد مكتوبة، وعلى استقاء معنًى منها. مع ذلك فالرقم  والعدد الذي يمثله الرقم ليسا الشيء نفسه. فعلى سبيل المثال، في الأرقام الرومانية نكتب الرقم  بهذه الطريقة: VI، ولكننا نعلم أن هذا يشير إلى نفس العدد الذي يُكتب  في
الترقيم الحديث. ويشير الرمزان كلاهما إلى مجموعةٍ من الأشياء تتوافق مع علامات العد الست: I I I I I I. ولسوف نقضي بعض الوقت أولًا في دراسة الطرق المختلفة التي نستخدمها للتعبير عن الأعداد والتفكير فيها.
أحيانًا نحل المشكلات المنطوية على أعدادٍ دون إدراكٍ منَّا بحلها. على سبيل المثال، تصوَّر أنك تعقد اجتماعًا وترغب في ضمان حصول كل شخصٍ من الحضور على نسخةٍ من جدول الأعمال. يمكنك التعامل مع هذا الأمر عن طريق كتابة الحروف الأُولى من اسم كل شخصٍ سيحضر على نُسَخ الجدول، واحدةً تلو الأخرى. وما لم تنفد النسخ منك قبل أن تنتهي من هذه العملية فستعلم أن لديك عددًا كافيًا من النسخ لجميع الحضور؛ وبذلك تكون قد حللْتَ هذه المشكلة دون اللجوء إلى الحساب ودون العد المباشر على الرغم من اشتمال هذه العملية على الأعداد. فالأعداد تتيح لنا المقارنة الدقيقة بين مجموعةٍ وأخرى، حتى وإن كانت العناصر المكوِّنة للمجموعتين ذات طبيعةٍ مختلفةٍ تمامًا، كما هي الحال هنا؛ إذ تتكون إحدى المجموعتين من أشخاصٍ، بينما تتكون الأخرى من مجموعةٍ من الأوراق. إنَّ ما تسمح لنا الأعداد بالقيام به هو مقارنة الحجم النسبي لمجموعةٍ بالحجم النسبي لأخرى.

في السيناريو السابق لم تكن بحاجةٍ لحساب عدد الحضور؛ ولم تكن مضطرًّا لمعرفته، كانت مشكلتك هي تحديد ما إذا كان عدد نسخ جدول الأعمال يساوي على الأقل عدد الأشخاص، ولم تكن هناك حاجة لمعرفة قيمة هذين العددين. مع ذلك ستحتاج إلى حساب عدد الحاضرين عندما تطلب غداءً لخمسة عشر شخصًا، وبالتأكيد عندما يتعلق الأمر بحساب فاتورة هذه الوجبة؛ فسوف يستخدم شخصٌ ما الحساب للتوصُّل إلى التكلفة الدقيقة، حتى لو أُجريت الحسابات جميعها على الآلة الحاسبة.

يسمح لنا نظام الأعداد الحديث بالتعبير عن الأعداد بطريقةٍ فعالةٍ ومنتظمةٍ دون تغيُّر، تجعل من السهل مقارنة عددٍ بآخر، وإجراء العمليات الحسابية التي تنشأ الحاجة إليها من خلال العد. إننا نستخدم يوميًّا نظام العد العشري لكل عملياتنا الحسابية — أي إننا نعد بالعشرات — ونفعل ذلك لسببٍ من قبيل المصادفة، وهو أن لدينا عشر أصابع في أيدينا. مع ذلك، ليس اختيارنا للنظام العشري هو ما يجعل نظام الأعداد لدينا فعالًا لهذه الدرجة، ولكن السبب هو استخدام القيمة المكانية في تمثيلات الأعداد؛ حيث تعتمد قيمة الرقم على مكانه في سلسلة الأعداد. على سبيل المثال، العدد  هو اختصار للقيمة: آحاد و عشرات و مئات وألف واحد.
من المهم أن نفهم ما نعنيه عند كتابة الأعداد بطرقٍ معينة. وسوف نتأمل في هذا الفصل ما تمثله الأعداد، ونستكشف طرق العد المختلفة، ونتعرف على مجموعةٍ مهمةٍ للغاية من الأعداد (الأعداد الأولية) ونقدِّم بعض الحيل العددية البسيطة لإيجاد هذه الأعداد.

كيف صُنفتْ نُظُم العد؟

يستحق الأمر استغراق بضع لحظاتٍ في إدراك وجود مرحلتين متمايزتين لعملية وضع نظام عدٍّ يعتمد — على سبيل المثال — على العشرات. إننا نفرض على الأطفال مهمتين أساسيتين؛ هما حفظ الحروف الأبجدية وتعلُّم كيفية العد. هاتان العمليتان متشابهتان ظاهريًّا، ولكن بينهما اختلافات جوهرية. تعتمد اللغة الإنجليزية على ستة وعشرين حرفًا أبجديًّا، وكل حرف — تقريبًا — يرتبط بصوتٍ نستخدمه لنطق الكلمات. على أية حال، من المؤكد أن اللغة الإنجليزية قد تطوَّرت بحيث يمكن كتابتها باستخدام مجموعةٍ من ستة وعشرين رمزًا. مع ذلك، لا يمكننا تأليف القواميس ما لم نضع الحروف الأبجدية في ترتيبٍ معين. لا يوجد ترتيب طبيعي بعينه، والترتيب الذي استقرَرْنا عليه ويُدرس بالمدارس في قالبٍ نغمي — وهو  — يبدو اعتباطيًّا للغاية بالفعل. وممَّا لا شك فيه أن الحروف الأكثر استخدامًا بوجهٍ عامٍّ تقع في النصف الأول من الحروف الهجائية، ولكن ذلك مجرد قولٍ اعتباطيٍّ وليس قاعدة؛ إذ إن الحرفين الشائعَي الاستخدام  و على سبيل المثال يقعان في ترتيبٍ متأخر. أما أعداد العد، أو «الأعداد الطبيعية» كما يشار إليها، ، ،  … جاءت إلينا على النقيض بالترتيب التالي: على سبيل المثال، الرمز  يراد به الإشارة إلى العدد الذي يلي ، وهكذا يجب وضعه بعده. وحتى عددٍ معينٍ، يمكننا أن نبتكر اسمًا جديدًا لكل عددٍ متتالٍ. مع ذلك، عاجلًا أو آجلًا، سنُضطر إلى الاستسلام والبدء في تجميع الأعداد في مجموعات لكي نتعامل مع المتتالية غير المتناهية. والتجميع بالعشرات هو المرحلة الأولى لابتكار نظامٍ عدديٍّ مقبول، وكان هذا الأمر شبه عالميٍّ على مرِّ التاريخ وعبر العالم.


بيانات الكتاب


الأسم : الأعداد
المؤلف :  بيتر إم هيجنز
المترجم : أحمد شكل
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 155 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget