العناصر لــ فيليب بول




رُباعية أرسطو: العناصر في العصور القديمة

اعتُقل الكيميائي الفرنسي إتيان دو كليف في عام ١٦٢٤م بتهمة الهرطقة. لم تكُن أفكارُ كليف غيرُ المقبولة تتعلَّق بتفسير الكتاب المقدَّس، ولم تكن ذات طابع سياسي، كما أنها لم تَطعن في مكانة البشر في الكون كما كان جاليليو يفعل ذلك بجرأة.
كانت هرطقة إتيان دو كليف تتعلَّق بالعناصر الكيميائية؛ إذ كان يؤمن بأن جميع المواد تتألَّف من عنصرَيْن
— الماء والتراب — و«خليط» من هذين العنصرين مع ثلاث مواد أساسية أو «جواهر» أخرى؛ وهي: الزئبق والكبريت والملح. ليست هذه بفكرة جديدة؛ إذ إن الصيدلي الفرنسي العظيم جان بيجين الذي نشر كتابه «الكيمياء للمبتدئين» — واحد من أوائل كتب تعليم الكيمياء — في عام ١٦١٠م، ظلَّ حتى وفاته، بعد مرور عقد من الزمن على نشر الكتاب، يؤكِّد على أن جميع المواد تشتمل — على نحوٍ جوهريٍّ — على تلك المكوِّنات الخمسة الأساسية نفسها.
ولكن عدم أصالة فكرة إتيان دو كليف لم ينفعه، فقد نُعِتت فكرته بالهرطقة؛ لأنها تتناقض مع نظام العناصر الذي قَدَّمه الإغريق وأَيَّده أرسطو؛ فيلسوف الإغريق الأكثر تأثيرًا. أخذ أرسطو هذا المخطَّط من أستاذه أفلاطون، الذي وَرِثه بدوره من إيمبيدوكليس؛ وهو الفيلسوف الذي عاش خلال ديمقراطية بريكليس في العصر الذهبي لمدينة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. ووفقًا لإيمبيدوكليس، كانت توجد أربعة عناصر: التراب والهواء والنار والماء.
بعد الصدمة الثقافية التي سبَّبها سقوط روما، نهض الغرب في القرون الوسطى من صدمة العصور المظلمة بتقديسٍ لعلماءِ العصور القديمة جَمَعَ بين معتقداتهم والمذاهب المسيحية. وأصبحت كلمات أرسطو مصبوغةً بسُلطة الإله، والتشكيك فيها كان بمنزلة الكفر. ولم يَستعِدِ العالم الغربي القدرة على التفكير المستقل بشأن الكيفية التي نُظِّم بها الكون حتى أواخر القرن السابع عشر بعد اكتشافات جاليليو ونيوتن وديكارت.
وهذا هو السبب في انهيار خطةِ إتيان دو كليف، وعددٍ قليلٍ غيره من المفكرين الفرنسيين، الراميةِ إلى مناقشة نظريةٍ مخالِفةٍ لنظريةِ أرسطو عن العناصر في منزل النبيل الباريسي فرانسوا دو سوسي في أغسطس ١٦٢٤م بأمرٍ برلماني؛ مما أدَّى إلى إلقاء القبض على قائدهم.
لم يكن الجدل يتعلَّق في واقع الأمر بالعلم، ولم يكن استخدام القانون والإكراه للدفاع عن نظريةٍ ما دليلًا على أن السلطات تهتم كثيرًا بطبيعة العناصر بقدرِ ما كان انعكاسًا لرغبتها في الحفاظ على الوضع الراهن. ومثلما كانت محاكمة جاليليو أمام محاكم التفتيش الكاثوليكية، لم يكن ذلك جدلًا بشأن «الحقيقة»، وإنما كان صراعًا على السلطة؛ وهو دليل على الدوجماتية الدينية المعارِضة للإصلاح.
كان الإغريق متحرِّرين من هذه القيود، فناقَشوا العناصر بحُرية أكبر بكثير. وسبقت رُباعيةَ أرسطو — ووُجِدت في الواقع جنبًا إلى جنب معها — عدةُ مخطَّطات أخرى للعناصر. في الواقع، أشار الباحث السويسري كونراد جسنر في القرن السادس عشر إلى ما لا يقلُّ عن ثمانية أنظمة للعناصر، قُدِّمت بين عصر طاليس (بداية القرن السادس قبل الميلاد) وإيمبيدوكليس. ورغم حُكْم الإدانة الصادر عام ١٦٢٤م، فإن هذا جعل من الصعب في نهاية المطاف مَنْح أيِّ وضعٍ متميزٍ لرباعية أرسطو، وساعد مرة أخرى على طرح قضيةِ «ممَّ صُنعت الأشياء؟




بيانات الكتاب



الأسم : العناصر
المؤلف : فيليب بول
المترجم :أحمد شكل
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget