علم الإحصاء لــ ديفيد جيه هاند



ردًّا على أولئك الذين يقولون: «ثمة أكاذيب، وأكاذيب بغيضة، وإحصائيات»، غالبًا ما أقتبس قول فريدريك موستلر: «الكذب بالإحصائيات سهل، ولكنَّ الكذب بدونها أسهل.»
(١) علم الإحصاء الحديث
أريد أن أبدأ بتأكيدٍ ربما يَجِده العديد من القراء مفاجئًا: «علم الإحصاء هو أكثر العلوم إثارة.» وهدفي في هذا الكتاب أنْ أوضح لك أن هذه العبارة صحيحة، وأن أبيِّن لك السبب في صحتها. وآمل أن أبدِّد بعض المفاهيم الخاطئة القديمة حول طبيعة الإحصاء، وإظهار ما يبدو عليه علم الإحصاء الحديث، وكذلك
توضيح بعضٍ من قوَّته الهائلة، فضلًا عن انتشاره.
وعلى نحو خاص، أريد في هذا الفصل التمهيدي أن أنقل أمرين؛ أولهما: هو نكهة الثورة التي حدثت في العقود القليلة الماضية؛ فأريد أن أشرح كيف تحول الإحصاء من علم فيكتوري جافٍّ معنيٍّ بالتلاعب اليدوي بأعمدة الأرقام إلى تكنولوجيا حديثة متطورة للغاية تنطوي على استخدام أدوات البرمجيات الأكثر تقدمًا. وأريد توضيح كيف يستخدم إحصائيو اليوم هذه الأدوات لدراسة البيانات بحثًا عن البنيات والأنماط، وكيفية استخدامهم لهذه التكنولوجيا لتقشير طبقات الحيرة والغموض وكشْف الحقائق الموجودة تحتها؛ فعِلم الإحصاء الحديث — على غرار التلسكوبات والمجاهر والأشعة السينية وأجهزة الرادار وأجهزة المسح الطبية — يمكِّننا من رؤية أشياء غير مرئية للعين المجردة؛ فهذا العلم يمكِّننا من الرؤية خلال الضباب والارتباك الموجود في العالَم من حولنا؛ من أجل فهم الواقع الأساسي.
هذا إذَن هو أول شيء أريد أن أوصله خلال هذا الفصل: القوة والإثارة الهائلتان اللتان يضمهما علم الإحصاء الحديث، والمصدر الذي جاء منه، والأشياء التي يَقدِر على فعلها. والشيء الثاني الذي أتمنَّى توصيله هو الوجود الكلي للإحصاء؛ فلا يوجد جانب من جوانب الحياة الحديثة لا يمسه علم الإحصاء. إن الطب الحديث مبنيٌّ على علم الإحصاء؛ فعلى سبيل المثال، وُصفت التجارب العشوائية الخاضعة للضبط بأنها «واحدة من أدوات البحث الأبسط والأقوى والأكثر ثورية.» وفهْم العمليات التي تنتشر الأوبئة من خلالها يمنعها من الفتك بالبشر. تعتمد الحكومة القديرة على التحليل الإحصائي الدقيق للبيانات في وصف الاقتصاد والمجتمع؛ وربما يمثل هذا حجةً للإصرار على أن جميع مَن يكونون في الحكومة ينبغي أن يَدرسوا دورات إلزامية في الإحصاء. والمزارعون وتقنيُّو الغذاء ومراكز التسوق يستخدمون جميعًا الإحصاء على نحو ضمني في تحديدِ ما يزرعونه، وكيفية معالجته، وكيفية تغليفه وتوزيعه. ويحدد الهيدرولوجيون مدى الارتفاع اللازم لبناء حواجز الفيضانات من خلال تحليل إحصائيات الأرصاد الجوية. ويبني المهندسون أنظمة الكمبيوتر باستخدام إحصائيات الموثوقية لضمان عدم تعطلها كثيرًا. وتُبنَى نُظُم مُراقَبَة الحركة الجوية على نماذج إحصائية معقَّدة، بحيث تعمل بشكل لحظي (أي في الزمن الحقيقي). وعلى الرغم من أنك قد لا تدرك ذلك، فإن الأفكار والأدوات الإحصائية كامنةٌ في كل جوانب الحياة الحديثة تقريبًا.
(٢) بعض التعريفات
أحد التعريفات الجيدة لعلم الإحصاء أنه «تكنولوجيا استخراج المعنى من البيانات». ومع ذلك، لا يوجد تعريف مثالي؛ فعلى وجه الخصوص، لا يُشير هذا التعريف إلى المصادفة والاحتمال، اللذين يُعدَّان دعامتين أساسيتين للعديد من تطبيقات الإحصاء؛ ومن ثم ربما يتمثَّل تعريف جيد آخَر في أنه «تكنولوجيا التعامل مع عدم اليقين». ومع هذا، قد تضع تعريفات أخرى، أو تعريفات أكثر دقة، مزيدًا من التركيز على الأدوار التي يلعبها علم الإحصاء. وهكذا يمكننا القول إن علم الإحصاء هو العلم الرئيس «للتنبؤ بالمستقبل» أو «لصنع استنتاجات حول المجهول» أو «لإنتاج ملخصات مناسبة من البيانات». وعند جمع هذه التعريفات معًا فإنها تغطِّي على نحو واسع جوهر هذا المجال، على الرغم من أن التطبيقات المختلفة ستوفِّر تجسيدات مختلفة جدًّا لهذا العلم؛ على سبيل المثال، اتخاذ القرارات والتنبؤ والرصد اللحظي والكشف عن الغش والتعداد السكاني وتحليل تسلسل الجينات كلها تطبيقات للإحصاء، ومع ذلك ربما تتطلب أساليبَ وأدوات مختلفة للغاية. وثمة شيء تجدر ملاحظته حول هذه التعريفات؛ هو أنني تعمدتُ اختيار كلمة «تكنولوجيا» بدلًا من علم؛ فالتكنولوجيا هي تطبيق للعلم واكتشافاته، وهذا هو ماهية الإحصاء؛ تطبيق فهْمنا لكيفية استخراج المعلومات من البيانات، وفهمنا لعدم اليقين. ومع ذلك، يُشار إلى الإحصاء أحيانًا على أنه علم. في الواقع، إحدى المجلات الإحصائية الأكثر إثارة وتشويقًا تُسمَّى بذلك الاسم فحسب: «العلوم الإحصائية».



بيانات الكتاب



الأسم : علم الإحصاء
المؤلف : أحمد شكل
المترجم :لبنى عماد تركي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget