برتراند راسل لــ إيه سي جرايلينجي




يُعَدُّ راسل من أشهر فلاسفة القرن العشرين. ويرجع ما يتمتَّع به من شهرةٍ أساسًا — ومن سوء سمعةٍ أحيانًا — إلى مشاركته في الجدل الاجتماعي والسياسي. ظلَّ راسل من الشخصيات العامة المألوفة على مدى نحو ٦٠ عامًا؛ إذ كان يظهر في الصحافة الشعبية أحيانًا كموضوعٍ للفضائح، وأحيانًا أخرى في
الفترات التي حَظِيَ فيها بالاحترام كمثقَّف حكيم؛ وأثناء تلك الفترات ظهر كمذيعٍ أيضًا. كان يُدْلِي بدلوه كثيرًا في شئون الحرب والسلام والأخلاق والجنسانية والتعليم وسعادة البشر. ونشر الكثير من الكتب والمقالات الرائجة، وجلبتْ عليه آراؤه مجموعة متنوعة من ردود الأفعال تراوحت بين أحكام بالسجن وجائزة نوبل.

ولكن أعظم إسهاماته والأسس الحقيقية التي قامت عليها سمعته تكمن في النطاقات الفنية المتخصصة لمجالَي المنطق والفلسفة؛ فقد كان تأثيره شديدًا على مضمون الفلسفة وأسلوبها في البلدان الناطقة بالإنجليزية في القرن العشرين، حتى إنه أصبح يمثل اللحن الأساسي للفلسفة في تلك الفترة. صار الفلاسفة يستخدمون الأساليب والأفكار الناشئة من عمله دون أن يشعروا بالحاجة إلى ذكر اسمه — بل وأحيانًا دون إدراك وجود تلك الحاجة — مما يوضح مدى تأثيره. وبهذه الطريقة قدَّم راسل إسهامًا أهم بكثير في الفلسفة مقارنةً بتلميذه لودفيج فيتجنشتاين. لقد تعلمت الفلسفة دروسًا قيِّمة من فيتجنشتاين، ولكنها اكتسبت إطار عمل كاملًا من راسل، يشكل ما صار يُطلَق عليه حاليًّا «الفلسفة التحليلية».



ويُقصد بكلمة «التحليل» الاستقصاء الدقيق للمفاهيم الفلسفية المهمة، وكذلك للغة التي تجسِّدها، وذلك باستخدام طُرق وأفكار مشتقة من المنطق الصوري. لم ينشئ راسل الفلسفة التحليلية بالطبع من دون مساعدة؛ إذ تأثر بعلماء المنطق جيوسيبي بيانو وجوتلوب فريجه وبزملائه في جامعة كامبريدج جي إي مور وإيه إن وايتهيد. وكان من بين مصادر التأثر الأخرى مفكرو القرنَين السابع عشر والثامن عشر رينيه ديكارت وجوتفريد لايبنتس وجورج بيركلي وديفيد هيوم. كان أول كتاب فلسفي ألَّفه عبارة عن دراسة تحمل طابعًا متعاطفًا لثاني هؤلاء الفلاسفة. ولكنه جمع بين مصادر التأثر هذه بحيث أصبحت تقدم نهجًا جديدًا للمشكلات الفلسفية؛ مما ساعد في إيضاحها بضوءٍ منطقيٍّ كاشفٍ جديد؛ وبهذه الطريقة أدَّى دورًا محوريًّا في تغيير فلسفة القرن العشرين تغييرًا جذريًّا في التراث الفلسفي الناطق بالإنجليزية.

إذنْ كان راسل فيلسوفًا بالمعنى الشعبي؛ أي كحكيمٍ ومعلِّم للبشرية، وبالمعنى الأكاديمي المهني. في الفصول التالية سأقدِّم وصفًا لإسهاماته في هذين الوجهين الفلسفيَّين. أما في الفصل الحالي فأقدم صورة وصفية لحياته الطويلة الثرية، المضطربة أحيانًا، والتي تشكِّل في مجملها وتنوعها إحدى أهم السير الملحمية في العصر الحديث.

وُلد برتراند آرثر ويليام راسل في ١٨ مايو ١٨٧٢ في أسرة شهيرة، هي الفرع الأصغر من نبلاء بيدفورد. وكان جده لأبيه هو اللورد جون راسل الشهير الذي استحدث قانون الإصلاح في عام ١٨٣٢، وكانت تلك هي الخطوة الأولى نحو إضفاء الطابع الديمقراطي على البرلمان. وشغل اللورد جون منصب رئيس الوزراء مرتين — من ١٨٤٦ إلى ١٨٥٢ ومن ١٨٦٥ إلى ١٨٦٦ — ومنحته الملكة فيكتوريا لقب إيرل. وكان جد راسل لأمه — اللورد ستانلي أوف ألديرلي — من الحلفاء السياسيين للورد جون.

كان والدا راسل زوجين غير عاديين ومثيرين للجدل؛ إذ كانا ملتزمين بالقضايا التقدمية مثل تنظيم الأسرة وحق التصويت للنساء. واختار أبوه — الفيسكونت أمبيرلي — جون ستيوارت مِل ليكون أباه بالمعمودية بالمعنى غير الديني. وتُوفِّي مِل قُبيل عيد ميلاد راسل الأول؛ لذا كان تأثيره عليه غير مباشر، مع أنه كان كبيرًا.


بيانات الكتاب

الأسم : برتراند راسل
المؤلف :  إيه سي جرايلينج
المترجم : إيمان جمال الدين الفرماوي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 133 صفحة
الحجم : 9 ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget