الأمم المتحدة لــ يوسي إم هانيماكي



نحن الشعوب: وعد ‎الأمم المتحدة

«نحن شعوب الأمم المتحدة.» بهذه الكلمات يبدأ ميثاق الأمم المتحدة. ثم يسرد الميثاق بعد هذا أربعة أهداف رئيسية للمنظمة الدولية؛ أولًا: أن الأمم المتحدة آلت على نفسها حفظ السلام والأمن: «أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب.» ثانيًا: «أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان.» ثالثًا: أكدت الأمم المتحدة على احترام القانون الدولي. ورابعًا: تعهدت المنظمة الوليدة ﺑ «أن ندفع
بالرقي الاجتماعي قدمًا، وأن نرفع مستوى الحياة». وفي صيف عام ١٩٤٥، قطعت الدول المؤسِّسة للأمم المتحدة على نفسها عهدًا بأن تجعل العالم مكانًا أفضل.
هل استطاعت الأمم المتحدة تحقيق كل هذه الأهداف النبيلة، أو بعضها، أو أيها، على امتداد أكثر من ستة عقود؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي نتعامل معه في هذا الكتاب. ومن ثم، سيقيم الكتاب نجاحات الأمم المتحدة وإخفاقاتها كحارس للسلم والأمن الدوليين، وراعٍ لحقوق الإنسان، وحامٍ للقانون الدولي، ومهندس لعملية التقدم الاقتصادي والاجتماعي. وأثناء ذلك، سيسبر الكتاب أغوار هيكل الأمم المتحدة وعملياتها في أنحاء العالم.
ليست هذه مهمة يسيرة؛ إذ ظلت الأمم المتحدة على مدار تاريخها مؤسسة مثيرة للجدل. لقد مرت المنظمة الدولية الوحيدة العالمية بحق — التي يُجِلُّها البعض ويلعنها البعض الآخر — برحلة وعرة؛ فقد فازت بجائزة نوبل للسلام وغيرها من الجوائز لإنقاذها حياةَ البشر وتخفيف معاناتهم، لكنها كانت أيضًا هدفًا مفضلًا للسياسيين الذين يشككون في أن الأمم المتحدة تحاول أن تكون حكومة عالمية، أو يزعمون هذا كي يكسبوا قلوب مجموعات بعينها من الناخبين، لكن آخرين — أمثال هنري كابوت لودج الابن، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من عام ١٩٥٣ إلى ١٩٦٠ — يتبنَّوْن نظرة أكثر اعتدالًا؛ إذ يقرون بمَوَاطن القصور المتأصِّلة بالمنظمة التي تمثل — نظريًّا على الأقل — مصالح العالم أجمع. وقد لخص لودج هذا الرأي في عام ١٩٥٤ بقوله: «نشأت هذه المنظمة لتمنعك من الذهاب للجحيم، لا لتأخذك إلى الجنة.»2
في الواقع، إن كان من فكرة رئيسية تهيمن على هذا الكتاب فهي الحقيقة البسيطة القائلة إن أعظم التحديات التي جابهتها الأمم المتحدة هي الفجوة شديدة الاتساع بين طموحاتها وقدراتها، ويمكن لنظرة سريعة على الجوانب الأساسية لأنشطة الأمم المتحدة أن تؤكد هذا.
أولًا: تعهدت الدول المؤسِّسة للأمم المتحدة بجعل العالم أكثر أمنًا. ولتجنب المجازر التي سببتها الحرب العالمية الثانية أنشأت هذه الدول هيكلًا وأدوات مصممة لمواجهة التهديدات المحيقة بالأمن الدولي، وأوضح مثال على هذا تمثَّل في منح مجلس الأمن سلطة غير محدودة تقريبًا حين يتعلق الأمر بانتهاكات السلام. من المفترض أن تكون قرارات المجلس ملزمة لجميع الدول الأعضاء، وقد عُهد للجنة الأركان العسكرية التابعة له بالتخطيط للعمليات العسكرية‎، على أن تملك تحت تصرفها قوة جوية جاهزة للنشر الفوري. وبدا أن الدول المؤسِّسة قد عقدت العزم على ألا يقف العالم مكتوف الأيدي ثانية وهو يشاهد الدول المعتدية تنتهك الحدود والاتفاقات الدولية.
كان التصميم معيبًا؛ فلجنة الأركان العسكرية لم تضع تصورًا لقوتها‎ الجوية أو قواعدها؛ ولهذا لم يكن بالإمكان بدء العمليات العسكرية التابعة للأمم المتحدة بسرعة، بل في الواقع لم يكن من المفترض أن تملك الأمم المتحدة تسليحًا عسكريًّا خاصًّا بها. أيضًا احتوى ميثاق الأمم المتحدة في صلبه على أسباب عجز مجلس الأمن: فمن خلال منح حق النقض (الفيتو) لخمس دول (الصين وفرنسا وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة)، مكَّن الميثاق هذه المجموعة المختارة من منع أي فعل تراه مناقضًا لمصالحها الوطنية؛ ونتيجة لذلك، قد تكون الأمم المتحدة لعبت دورًا إيجابيًّا في منع اندلاع حرب عالمية أخرى، لكنها عجزت عن منع نشوب سلسلة من الصراعات الإقليمية أو وقفها (من كوريا وفيتنام وحتى الشرق الأوسط وأفريقيا). فقوات حفظ السلام التي أرسلت إلى مناطق النزاعات في العالم كانت عادة تصل بعد انتهاء أسوأ الأعمال العدائية بوقت طويل. وفي بعض الأحيان — كما هو الحال في إقليم دارفور بالسودان بعد عام ٢٠٠٣ — تأخر وصولها، وكانت عمليات الإبادة الجماعية دائرة.
المشكلة الأساسية التي تعانيها الأمم المتحدة كمراقب للأمن الدولي كانت — ولا تزال — بسيطة: كيفية التعامل مع الصراعات — سواء بين الدول أو داخل الدولة نفسها — دون المساس بالسيادة القومية للدول الأعضاء بها. إنه لغز يستمر في التأثير على وظائف الأمن الدولي التي تقوم بها الأمم المتحدة، فلا يزال السلام ينتظر أن يسود.
كان الهدف الثاني للأمم المتحدة هو تسليط الضوء على أهمية حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي. ولتحقيق هذا الهدف، عُقدت المعاهدات وصدرت الإعلانات وصيغت الأدوات القانونية المتعددة. أبرز هذه الوثائق لا شك كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام ١٩٤٨. وأضيفت وثيقتان أخريان إلى قانون حقوق الإنسان في الستينيات، وهو ما أنتج لنا الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وبحلول القرن الحادي والعشرين، كان مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان وغيرهما من الهيئات تبلِّغ — في نشاط — عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان في العالم، وكانت المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الخاصة، في لاهاي، تحاكم من ارتكبوا أشنع انتهاكات حقوق الإنسان.



بيانات الكتاب


الأسم : الأمم المتحدة
المؤلف :  يوسي إم هانيماكي
المترجم : محمد فتحي خضر
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget