الأدب الإنجليزي لــ جوناثان بيت




في واحد من أشهر مشاهد الصف المدرسي لتشارلز ديكنز يطلب السيد توماس جرادجرايند الذي يؤمن بأهمية الحقائق من سيسي جوب تعريف الحصان، فترتعد الفتاة وتحاول جاهدة التوصل إلى الإجابة الصحيحة، فيقول السيد جرادجرايند «الفتاة رقم عشرين تعجز عن تعريف الحصان! الفتاة رقم عشرين
ليست لديها أية حقائق عن واحد من أكثر الحيوانات انتشارًا! فلننظر إلى تعريف أحد الفتيان للحصان، هيا يا بيتزر.» وكان بيتزر ذو العينين الباردتين يعلم الحقائق المطلوبة: «حيوان من ذوات الأربع يتغذَّى على النجيل، له أربعون سِنًّا منها أربعة وعشرون ضرسًا وأربعة أنياب واثنا عشر من القواطع، وهو يُغَيِّر جلده في الربيع، وفي البلدان ذات المستنقعات يغير حوافره أيضًا، وحوافره صلبة لكنها تحتاج إلى حَدوات من الحديد، ويمكننا معرفة عمره عن طريق علامات في فمه» («أوقات عصيبة»، ١٨٥٤).

يثير جهل سيسي بالمصطلحات الصحيحة السخرية، فهي بالطبع تعرف الأحصنة أفضل من جرادجرايند فضلًا عن بيتزر، فهي أحد أبناء السيرك وقد عاشتْ طوال حياتها مع الأحصنة، وهي تحبها وتعتني بها وتحيا في عالم تُمتَطى فيه الأحصنة ببراعة شديدة. وتتمثل وجهة نظر ديكنز في أن المعرفة الحقيقية تأتي من الخبرة والعلاقة المباشرة، لا من الحقائق والنظم. وفي فترةٍ ما أُعجِب الناقد الأدبي المؤثر بجامعة كامبريدج د. إف آر ليفيس برواية «أوقات عصيبة» أكثر من كل روايات ديكنز الأخرى؛ وذلك لأنها تبرز بقوةٍ التعارضَ بين الحيوية التي يجسدها أبناء السيرك وبين قمع الروح الإنسانية الذي تؤدِّي إليه نظرية جرادجرايند التعليمية القائلة بأن الحقائق وحدها هي المهمة. كانتْ مدرسة جرادجرايند تسعى إلى اقتلاع قدرة الأطفال على التعجب والإحساس الشِّعري واللعب التخيلي؛ من أجل إعدادهم كي يصبحوا عُمَّالًا في المصانع أو تروسًا ميكانيكية في عجلة الإنتاج الرأسمالي في العصر الفيكتوري. وعلى النقيض من ذلك، فقد كان هدف معلمي الأدب في تُراث ليفيس إنشاء أجيال تتمتع بقوة الإحساس والفهم الإنساني. وكانت اللغة الإنجليزية غالبًا ما تُدرَس بحماس مُتَّقِد؛ فدراسة الأدب من المفترض أن تكون تجربة تُغير حياة الفرد وربما المجتمع.



ومِن ثَمَّ، فإن السؤال عن ماهية الأدب الإنجليزي قد تكون الإجابة عنه من وجهة نظر ليفيس وربما ديكنز أيضًا: «أمرٌ تعرفه عندما تمر به.» إن الأدب يعني تلك الكتب التي تحيا معها وتحبها، تلك الكتب التي تجسِّد «الحياة». وثمة نهج بديل معارض بالقدْر نفسه لروح السيد جرادجرايند، وهو تعريف الأدب بأنه تلك الكتب التي تشجِّع إيجابيًّا على القيام بحِيَل هائلة لتفسيرها، على نحو مشابه للألعاب البهلوانية التي يقوم بها لاعبو السيرك. والنصوص الأدبية هي تلك النصوص التي تُستخدَم فيها اللغة ببراعة شديدة، تلك النصوص التي تستجيب لمجموعة متنوعة من التفسيرات.

إذا كان الأدب أمرًا يجب أن تتعلمه بالفطرة، أو إذا كانت كلمة «أدبي» مرادفًا آخر لكلمة «هازل»، فإن تعريف «الأدب الإنجليزي» باختزاله في مجموعة من الحقائق يُعَدُّ تدميرًا لمتعته المميزة على طريقة جرادجرايند الرافض للخيال. كَتَبَ ويليام وردزوورث ذات مرة قائلًا: «إننا نقتل كي نقوم بالتشريح.» هل تشبه عملية وضع عمل أدبي في سياقه العام أو التاريخي أخذ كائن حي وقتله ثم وضعه على طاولة المعمل والشروع في تشريحه بمِبضع؟ هذا شعور شائع بين عشاق الكتب عندما يقابلون التحليل النقدي والتاريخ الأدبي لأول مرة، فضلًا عن النظرية الأدبية. وربما ينسَوْن أن العمل الأدبي ليس كائنًا حيًّا، بل إنه نتاج مهارة الكاتب وبراعته، ويجب على الأقل أن يزيد فهمُ أدوات صناعة الكاتب والرحلة التي يمر بها العمل الأدبي حتى يخرج إلى النور من المتعة التي نحصل عليها من المنتج النهائي، لا أن يقلل منها.


بيانات الكتاب

الأسم : الأدب الإنجليزي
المؤلف :  جوناثان بيت
المترجم : خالد غريب علي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 170 صفحة
الحجم : 8 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١5م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget