اليوتوبية لــ لايمان تاور سارجنت



كان يوجد صنفان من المستعمرات، وكلاهما هدفه خدمة مصالح البلد المُستَعمِر، لا مصالح المُستعمَرة. كان القصد الأساسي من أحدهما استغلال عمالة المستعمَرة وموادِّها الخام وثرواتها. أما الثاني، فكان الهدف منه الاستيطان؛ إما للتخلص من الزيادة السكانية، وإما كأماكن لإرسال غير المرغوب فيهم إليها. والمستعمرات مهمة بالنسبة لليوتوبية من حيث إنها مثَّلت أحلامًا يوتوبية، لكن أيضًا بسبب أنه — إجمالًا
— كُتبت يوتوبيات أدبية، وأُنشئت مجتمعات مقصودة فيها أكثر من البلاد التي أنشأتها. وكان للمستعمرات تأثيرات على السكان الأصليين، واختلف تفسير تلك التأثيرات على مرِّ الزمن، وحسب القائم بالتفسير.
(١) مستعمرات المستوطنين
التفسير النموذجي لعملية الهجرة إلى مستعمرات المستوطنين هو أن الناس يخرجون من بلدهم الأم، بسبب الفقر والمرض وغيرهما من الظروف المحلية، ويستوطنون البلد الجديد تحدوهم الرغبة في الحصول على حياة أفضل، أو الأمل في القدرة على ممارسة معتقداتهم السياسية أو الدينية. عَرَض جيمس بالتش (المولود عام ١٩٥٦) في كتابه «إعادة إعمار الأرض» (٢٠٠٩) أن هذه الصورة شديدة البساطة. ولكن أيضًا في الحقيقة من بداية القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، كان الناس يَتركون بلادهم ويسافرون، في بعض الحالات لمسافات طويلة حول العالم، عاقدين الأمل على أن يتمكنوا من أن يعيشوا حياة أفضل مما أُتيح لهم في مسقط رأسهم. وجد البعض حياة أفضل في المكان الجديد، في حين لم يجدها البعض الآخر، فأقاموا في البلد الجديد في الظروف السابقة نفسها، أو في ظروف أسوأ منها، أو عادوا إلى بلدهم الأم، إلا أن الحلم بحياة أفضل، الذي قاد الكثيرين، كان يوتوبيًّا على نحو واضح، ومستعمرات المستوطنين كلها كانت وراءها أحلام يوتوبية. يمكن أن نجد مثالًا لذلك في الأغاني التي غناها المهاجرون، والتي وَصفت عادةً المكان الذي انتقلوا إليه بأوصاف يوتوبية. فعلى سبيل المثال، تُبيِّن الأغنية الأيرلندية «الولايات المتحدة الأمريكية العظيمة والحرة» الوصف اليوتوبي:
إن عملتَ في أمريكا،


فستتقلب في النعيم،
فلا توجد ضرائب ولا عُشر هناك
ولا إيجار يُثقل كاهلك،
إنه بلد حر وعظيم،
يرحب بكل البشر،
فهيا أبحِروا إلى أمريكا،
بأسرع ما يُمكنكم.
ووفرت أيضًا مستعمرات المستوطنين أو المهاجرين، رغم أن ذلك لم يكن جزءًا من القصد الأساسي، مساحةً لمختلف أنواع المنشقِّين، أغلبهم من الدينيين، لتجربة أفكارهم، غالبًا في مجتمعات مقصودة. كانت اليوتوبية محورية بالنسبة للهُوِيَّات الوطنية لنيوزيلندا والولايات المتحدة.
(٢) اليوتوبية الأصلية
لكن أحلام المستوطنين اصطدمت بتوقعات الأشخاص الذين كانوا يعيشون أصلًا في تلك البلاد، وأفرزت بوجه عام ديستوبيات حقيقية بالنسبة لهم. ضمت تلك الشعوب المستعمَرة ثقافات حضرية بالغة التطور لشعوب الآزتك والإنكا والمايا، إضافة إلى ثقافات غير حضرية؛ مثل السكان الأصليين لأستراليا، والماوري في نيوزيلندا، والشعوب الأولى والإنويت في كندا، والهنود الأمريكيين الأصليين في كندا والولايات المتحدة.
كان لهذه الشعوب كلها أساطير عن الخلق فسَّرت كيف نشأ العالم والكائنات التي تأهُلُه. وفي كثير من تلك الأساطير، كان الخلق الأول أفضل مما لحقه، وضمت الأساطير تفسيرًا لما وقع من إخفاق.
ولأن مستعمرات المستوطنين غالبًا ما دمَّرت — على نحو ممنهج — ثقافاتِ السكان الأصليين إلى جانب ذَبْحِهم، فلا نعرف عن أساطيرهم أو أحلامهم بالحصول على حياة طيبة سوى القليل جدًّا مقارنةً بما نعرفه عن أحلام المستوطنين. ولكن في بعض الحالات، توجد نسخ حديثة بُعثت من جديد، وأحيانًا ما تُضفَى عليها صبغة رومانسية من تلك الأحلام، والأبحاث الحديثة بصدد إطلاعنا على المزيد فيما يتعلق بأساطير وقصص تلك الشعوب. ونحن نتعلم أشياء جديدة كل يوم؛ لأنه في حقبةِ ما بعد الكولونيالية، الثقافاتُ التي تعرضت للقمع لكن لم تختفِ في واقع الأمر تُستكشف الآن هي والقصص القديمة. وقد كتب كاتب معاصر مجهول — تعُود جذوره إلى القبائل الهندية الأمريكية — يقول:

بيانات الكتاب

الأسم : اليوتوبية
المؤلف : لايمان تاور سارجنت
المترجم :ضياء ورَّاد
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget