الابتكار لــ مارك دودجسون




تقدم اللغة الإنجليزية تعريفات واسعة للابتكار، ربما تكون مفيدة ومربكة في الوقت نفسه. فتكون مفيدة من حيث إمكانية تغطيتها لنطاق واسع من الأنشطة، وتكون مربكة أيضًا للسبب نفسه، فيمكن استخدام الكلمة عشوائيًّا. فحتى التعريف البسيط نسبيًّا للابتكار
الذي نستخدمه — وهو الأفكار المطبقة بنجاح — يثير تساؤلات؛ فما «النجاح»؟ إن الوقت عامل مؤثر، وربما تكون الابتكارات ناجحة في البداية ثم تفشل في آخر الأمر، أو العكس. وما الذي تشير إليه كلمة «مطبقة»؟ فهل تعني التطبيق داخل جزء واحد في المؤسسة، أم الانتشار دوليًّا بين مجموعة ضخمة من المستخدمين؟ وما مصادر «الأفكار»؛ كيانات أم أشخاص؟ فهل يستطيع أي شخص ادعاء ملكيته لها، خاصةً وأنها تجمع حتميًّا بين التفكير الجديد والحالي؟
تواجه تصنيفات الابتكار أيضًا صعوبات بسبب الحدود غير الواضحة والتداخلات بين الفئات. فالابتكار يحدث في المنتجات، على سبيل المثال في السيارات الجديدة أو المستحضرات الصيدلانية، وفي الخدمات، مثلًا في وثائق التأمين الجديدة أو المراقبة الصحية. إلا أن الكثير من شركات الخدمات تصف ما تقدمه على أنه منتجات، مثل المنتجات المالية الجديدة. ويحدث ابتكار أيضًا في العمليات التشغيلية؛ في طريقة توصيل المنتجات والخدمات الجديدة. وربما تأخذ هذه العمليات شكل المعدات والماكينات، وهي منتجات مقدميها، والخدمات اللوجستية في شكل وسائل مواصلات، وهي خدمات مقدميها.
توجد بعض المشكلات المشابهة في التعريف عند التفكير في مستويات الابتكار. فربما يكون ابتكار ثانوي في إحدى المؤسسات ابتكارًا أساسيًّا في أخرى. ويصعب عمليًّا وضع أي شيء عدا مقياس اسمي للاختلافات بين مستويات الابتكار، ويُفضل اعتبار التصنيف كنماذج مثالية على طول سلسلة متصلة. وتكون معظم الابتكارات تحسينات إضافية؛ أي أفكار تُستخدم في نماذج جديدة من منتجات وخدمات موجودة بالفعل، أو تعديلات على عمليات تنظيمية. وربما تشتمل على أحدث نسخ من حزم برمجية معينة، أو قرارات لانضمام المزيد من الممثلين من قسم التسويق لفرق التطوير. وتغير الابتكارات الجذرية طبيعة المنتجات والخدمات والعمليات، ومن الأمثلة على ذلك تطوير المواد الاصطناعية — مثل النيلون — وقرارات استخدام برمجيات مفتوحة المصدر لتشجيع تطوير المجتمع لخدمات جديدة بدلًا من القيام بذلك بملكية مسجلة. وعلى أعلى مستوى، توجد ابتكارات تحويلية دورية نادرة، تكون ثورية في تأثيرها وتؤثر في الاقتصاد بأكمله. ولعل تطوير استخدام البترول كمصدر للطاقة، أو ظهور الكمبيوتر أو الإنترنت، من الأمثلة على ذلك.
إننا نفكر في الابتكار على أنه أفكار طُبقت بنجاح في النتائج والعمليات التنظيمية. ويمكن التفكير في الابتكار على أنه عملي ونفعي؛ فنتائج الابتكار تكون منتجات وخدمات جديدة، أو تمثل العمليات التنظيمية التي تدعم الابتكار الذي تشهده أقسام مثل البحث والتطوير والهندسة والتصميم والتسويق. ويمكن التفكير في الابتكار من منظور مفهومه بصورة أكبر؛ فتكون نتائج الابتكار معرفة معززة وقرارات معدلة، أو تكون العمليات التي تدعم قدرة المؤسسات على التعلم.
ولقد اخترنا التركيز على الابتكارات بخلاف التي توصف بأنها «تحسينات مستمرة» والتي تميل إلى كونها روتينية وإضافية للغاية في طبيعتها. ومع أن هذه التحسينات الصغيرة تُعد مهمة تراكميًّا، فإن اهتمامنا ينصب بالأحرى على الأفكار التي توسع نطاق المؤسسات وتتحداها وهي تحاول البقاء والازدهار. فبالتركيز على الابتكارات التي تفوق المعتاد والتي توجد في كل من نتائج المجهودات التنظيمية والعمليات التي تنتجها، نرصد درجة كبيرة مما يُدرك بوجه عام على أنه ابتكار.
(٢) أهمية الابتكار
يجب النظر إلى السبب وراء الأهمية الفائقة للابتكار في سياق الطلبات المستمرة على المؤسسات المعاصرة وهي تواجه تحديات عالم معقد ومضطرب. فيكون الابتكار ضروريًّا من أجل استمرار بقائها وهي تناضل من أجل التكيف والتطور للتعامل مع الأسواق والتقنيات دائمة التغير.
في القطاع الخاص، يوجد دائمًا خطر ظهور منافسين جدد في الأسواق العالمية. أما في القطاع العام، فيستمر الطلب على الكفاءات والأداء المعزز، حيث تحاول الحكومات إدارة الطلبات، التي تفوق دخولها، على النفقات لتحسين جودة الحياة. ويُثار الحافز للابتكار داخل كل المؤسسات بمعرفة أنها إن لم تكن قادرة على الابتكار، فإن الآخرين قادرون، وهم اللاعبون الجدد الذين ربما يهددوا وجودها. وببساطة، إن أرادت المؤسسات أن تتقدم — تنمو وتتطور وتصبح أكثر ربحية وكفاءة واستدامة — فإنها بحاجة لتنفيذ أفكار جديدة بنجاح. فيجب عليها أن تكون دائمة الابتكار. وعلى حد قول عالم الاقتصاد جوزيف شومبيتر الذي عبر عنه بصراحة، فإن الابتكار «يقدم جزرة المكافأة الرائعة أو عصا الفقر المدقع».
ومن سمات الابتكار أنه يمكن أن يوجد داخل كل مؤسسة. ومع أن تكلفة الابتكار ربما تكون عالية للغاية — فربما تصل التكلفة، على سبيل المثال، حتى ٨٠٠ مليون دولار أمريكي لطرح مستحضر صيدلاني جديد — فإن الأفكار الجديدة يمكن تطبيقها بنجاح بثمن زهيد. فلا تعتمد الشركات عالية التقنية التي تُصنِّع أشباه الموصلات أو تعمل باستخدام التكنولوجيا الحيوية وحدها على الابتكار في مشاريعها التجارية، بل كل أجزاء الاقتصاد. فتبحث شركات التأمين والبنوك باستمرار عن أفكار جديدة للخدمات المقدمة للعملاء، وتستخدم المتاجر أسلوبًا حاسوبيًّا لإدارة الطلبات والمخزون، وتستخدم المزارع بذورًا وأسمدة وتقنيات ري جديدة، ويمكن أن تساعد الأقمار الصناعية في تحسين الزراعة والحصاد، وتوجد استخدامات جديدة لمنتجاتها، مثل الوقود الحيوي والأطعمة المفيدة المعززة للصحة. ويوجد الابتكار أيضًا في مجال البناء — في مواد وأساليب البناء الجديدة — وفي التغليف الذي يحفظ الأطعمة طازجة أكثر، وفي شركات الملابس التي تقدم تصميمات جديدة بسرعة أكبر وأسعار أقل. وتسعى الخدمات العامة للابتكار في الصحة والنقل والتعليم. وبينما قد لا يرغب المرء في الكثير من الابتكار في بعض المجالات، مثلما يحدث مع الشركات التي تستثمر أموال صناديق معاشاتنا أو تصمم الطائرات التي تنقلنا، فإن الشركة أو المؤسسة التي لا تستفيد من استخدام أفكار جديدة نادرة بوجه عام.



بيانات الكتاب


الأسم : الابتكار
المؤلف :  مارك دودجسون
المترجم : زينب عاطف
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 155 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget