اللاسلطوية لــ كولين وارد




كلمة anarchy مشتقة من الكلمة اليونانية anarkhia، التي تعني ضد السلطة أو دون حاكم، وقد استُخدمَتْ بمعنًى ازدرائي حتى عام ١٨٤٠، عندما استعملها بيير جوزيف برودون لوصف أيديولوجيته السياسية والاجتماعية. ادَّعى برودون أن التنظيم من دون سلطة أمر وارد، بل هو أمر مرغوب. ومع تطور الأفكار السياسية، يمكن النظر إلى اللاسلطوية باعتبارها التصور النهائي لكلٍّ من
الليبرالية والاشتراكية، ويمكن أن ننسب الفروع المختلفة للفكر اللاسلطوي إلى أيٍّ من هاتين الأيديولوجيتين.
من الناحية التاريخية، نشأت اللاسلطوية؛ ليس فقط كتفسير للفجوة بين الأغنياء والفقراء في أي مجتمع، ولا كتفسير لسبب اضطرار الفقراء إلى الصراع من أجل نصيبهم من الملكية العامة، ولكن كإجابة متطرفة للسؤال «ما الخطأ الذي وقع؟» الذي أعقب النتيجة النهائية للثورة الفرنسية. فقد انتهت؛ ليس فقط بحكم إرهابي وظهور طبقة حاكمة حديثة الثراء، ولكن أيضًا بإمبراطور جديد محبوب — نابليون بونابرت — يختال في أرجاء مناطق فتوحاته.

كان اللاسلطويون وأسلافهم منتمين لا ريب إلى التيار اليساري بتأكيدهم على أن العمال والفلاحين — بعد انتهازهم الفرصة التي لاحت لهم لإنهاء قرون من الاستغلال والاستبداد — قد تعرَّضوا حتمًا للخيانة من الطبقة السياسية الجديدة، التي كانت أولويتها الأولى هي إعادة تأسيس دولة مركزية. وفي أعقاب كل انتفاضة ثورية — والتي غالبًا ما يدفع المواطنون العاديون ثمن نجاحها غاليًا — لا يتردد الحكام الجدد في اللجوء إلى العنف والترهيب والشرطة السرية والجيش النظامي لفرض هيمنتهم.

في نظر اللاسلطويين، الدولة نفسها هي العدو، وقد طبقوا التفسير نفسه مع نتيجة كل ثورة في القرنين التاسع عشر والعشرين. سبب هذا ليس فقط أن كل دولة تراقب المنشقِّين عنها وتُعاقبهم أحيانًا، بل لأن كل دولة تحمي امتيازات ذوي النفوذ.

كان الاتجاه السائد في الدعاية اللاسلطوية على مدار أكثر من قرن هو الشيوعية اللاسلطوية، والتي تنادي بأن ملكية الأرض والموارد الطبيعية وأدوات الإنتاج يجب أن تقع تحت السيطرة المشتركة للمجتمعات المحلية، والتي تتحد مع مجتمعات أخرى لأهداف متبادلة لا حصر لها. وهي تختلف عن اشتراكية الدولة في معارضتها لفكرة وجود أية سلطة مركزية. يفضل بعض اللاسلطويين التمييز بين الشيوعية اللاسلطوية واللاسلطوية الجمعية لكي يشددوا على الحرية المرغوب فيها بوضوح للفرد أو العائلة في امتلاك الموارد اللازمة للعيش، لكن دون أن يعنيَ هذا الحقَّ في امتلاك الموارد التي يحتاجها الآخرون.

تركز اللاسلطوية النقابية على العمال الصناعيين المنظمين الذين يستطيعون، من خلال «إضراب عام»، تجريد المُلاك من ممتلكاتهم؛ ومن ثَمَّ يحققون سيطرة عمالية على الصناعة والإدارة.

يوجد، ولا عجب في ذلك، تقاليد متعددة لما يسمى اللاسلطوية الفردية، أحدها مأخوذ من فكرة «الأنانية الواعية» للكاتب الألماني ماكس شتيرنر (١٨٠٦–١٨٥٦)، وآخر من مجموعة بارزة من شخصيات أمريكية تنتمي للقرن التاسع عشر ادَّعت أننا بدفاعنا عن استقلالنا الذاتي واتحادنا مع الآخرين من أجل مصالح مشتركة، فإننا بذلك نحقق الخير للجميع. اختلف هؤلاء المفكرون عن ليبراليي السوق الحرة في شكِّهم المطلق في الرأسمالية الأمريكية، وفي تشديدهم على أهمية المصلحة المشتركة. وفي نهاية القرن العشرين، جرى تبني كلمة «ليبرتاري» — التي استعملها فيما سبق الأشخاص المؤمنون بوجهة النظر هذه كبديل لكلمة «لاسلطوي» — بواسطة مجموعة جديدة من المفكرين الأمريكيين، الذين سنناقشهم في الفصل السابع.
نشأت اللاسلطوية السلمية بسبب كلٍّ من فكرة معاداة النظام العسكري التي صاحبت رفض الدولة ورفض اعتمادها المطلق على القوات المسلحة، وبسبب الاقتناع بأن أي مجتمع إنساني أخلاقي يعتمد على العلاقات الطيبة الحرة بين أفراده.

تركز هذه التفريعات وغيرها في الفكر اللاسلطوي على جوانب مختلفة. ما يربطها جميعًا هو رفضها للسلطة الخارجية، سواء كانت من الدولة، أو رب العمل، أو الهرميات الإدارية والمؤسسات القائمة كالمدرسة والكنيسة. ينطبق الأمر عينه على أنواع الدعاية اللاسلطوية المختلفة التي ظهرت حديثًا، كاللاسلطوية الخضراء واللاسلطوية النسوية. وهؤلاء، الذين يؤمنون بأنَّ تحرُّر الحيوان مظهر من مظاهر تحرر الإنسان، يدَّعون أن اللاسلطوية هي الأيديولوجية الوحيدة المتماشية مع أهدافهم.

من المعتاد ربط الفكر اللاسلطوي بأربعة مفكرين ومؤلفين؛ الأول هو ويليام جودوين (١٧٥٦–١٨٣٦) الذي دافع في كتابه «تحقيقٌ في العدالة السياسية» — المنشور عام ١٧٩٣ — عن فكرة اللاسلطوية ضد الحكومة والقانون والملكية الخاصة ومؤسسات الدولة. كان جودوين متزوجًا من ماري ولستونكرافت ووالد ماري شيلي، وكان وريثًا لكلٍّ من الفكر الإنجليزي عن الانشقاقية المتطرفة وفلاسفة عصر التنوير الفرنسيين. وقد أكسبه كتابه شهرة فورية، سرعان ما انقلبت إلى عدائية وتجاهل في ظل المناخ السياسي الذي كان سائدًا في مطلع القرن التاسع عشر، ولكن ظل كتابه محل تداول سرًّا داخل الأوساط المتطرفة حتى أعيد اكتشافه على يد الحركة اللاسلطوية في تسعينيات القرن التاسع عشر.

ثاني هؤلاء الرواد هو بيير جوزيف برودون (١٨٠٩–١٨٦٥)، أحد دعاة اللاسلطوية الفرنسيين الذي كان أول من وصف نفسه باللاسلطوي. اشتُهر برودون في عام ١٨٤٠ بفضل مقاله الذي أعلن فيه أن «الملكية سرقة»، ولكنه ادَّعى أيضًا أن «الملكية حرية». لم يجد برودون تعارضًا بين هذين الشعارين؛ إذ رأى أنه من الواضح أن الشعار الأول مرتبط بصاحب الأرض وصاحب رأس المال اللذَين تأتي ملكيتهما من الانتزاع أو الاستغلال بمساندة الدولة وقوانين الملكية والشرطة والجيش، في حين أن الشعار الثانيَ متعلق بعائلة الفلاح أو الحِرفي مع حقهم الطبيعي الواضح في البيت، والأرض التي يزرعونها، وأدوات مهنتهم، ولكن دون امتلاك أو سيطرة على بيوت أو أرض أو سبل عيش الآخرين. تعرَّض برودون للانتقاد لكونه مجرد زائر لعالم المزارعين الفلاحين وصغار الحِرفيين في المجتمعات المحلية، ولكن كان رده جاهزًا بوضع مبادئ الفيدرالية الناجحة.



بيانات الكتاب


الأسم : اللاسلطوية
المؤلف :  كولين وارد
المترجم : مروة عبد السلام
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 110 صفحة
الحجم : 12ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget