يورجن هابرماس لــ جيمس جوردن فينليسون



يورجن هابرماس واحد من أهم المنظِّرين الاجتماعيين وأوسعِهم انتشارًا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وكتاباته النظرية مؤثرة في مَناحٍ عدة من الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. ولا شكَّ أن جميع دارسي علم الاجتماع والفلسفة والسياسة ونظرية القانون والدراسات الثقافية واللغة الإنجليزية واللغة
الألمانية والدراسات الأوروبية؛ سيصادفون اسمه في وقت ما. وثمة أسباب عدة للأثر الواسع لأعماله. بدايةً يُعَد هابرماس مُنَظِّرًا متعدد التخصصات؛ فنطاق إحالاته هائل. وهو النقيض التام لما أَطلق عليه عالم الاجتماع ماكس فيبر (١٨٤٦–١٩٢٠) «متخصصًا بلا روح»؛ أي الأكاديمي الذي لا يتخطى أبدًا التخصص الضيق لخبرته الخاصة. ونظرًا لأن أعماله تتجاوز الحدود التخصصية التي يعمل في إطارها أغلبُ الأكاديميين والدارسين، فإن أغلب قرَّائه لم يصادفوا سوى جانب واحد وحسب من أعماله. علاوة على ذلك، عكف هابرماس على الكتابة منذ نحو ٥٠ سنة، وله إنتاج فكري ضخم. وإضافة إلى شهرته كمُنَظِّر اجتماعي وسياسي، فهو واحد من أبرز المفكرين في الشأن العام في أوروبا حاليًّا. فهو عميد اليسار الديمقراطي في ألمانيا ومصْدر إلهامه، ويبادر، اتساقًا مع مبادئ فلسفته، بالتصريح بآرائه النقدية الغزيرة — كمواطن لا كأكاديمي — في الشأنين العامَّين الألماني والأوروبي حول أمور لها أهمية ثقافية وأخلاقية وسياسية عامة.
ولأن الكتاب مقدمة قصيرة، فقد عرضتُ أقل القليل من المعلومات عن حياة هابرماس. وليس السبب في ذلك أن حياته غير مثيرة للاهتمام، على الرغم من أن حياة الأكاديميين نادرًا ما يتأتى عنها سيرة حياتية مؤثرة ومثيرة للاهتمام. السبب أني أعتقد أن الأعمال أهم من الرجل. (مع ذلك، لن أذهب مذهب مارتن هايدجر الذي حين كتب عن الفيلسوف أرسطو، لم يذكر عن حياته سوى أنه «وُلد في وقت كذا، وعمِل ووافته المنية».) تأثرت أعمال هابرماس بالأحداث التاريخية الجِسَام التي عاشها وكانت مُحركة لها، لا سيما نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، وانبعاث جمهورية ألمانيا الاتحادية من أطلالها الاقتصادية والاجتماعية، والحرب الباردة، والاحتجاجات الطلابية عام ١٩٦٨، وسقوط جدار برلين عام ١٩٨٩، ونهاية الاتحاد السوفييتي.



وُلِدَ هابرماس بمدينة دوسلدورف عام ١٩٢٩، وترعرع في كنف أسرة ألمانية من الطبقة المتوسطة تأقلمت مع النظام النازي دون انتقاد ودون تأييده تأييدًا فاعلًا. تبلورت آراؤه السياسية الخاصة للمرة الأولى عام ١٩٤٥ عندما كان في السادسة عشرة من عمره. قرب نهاية الحرب، شأنه شأن أغلب المراهقين الألمان الأصحَّاء من عمره، انضم إلى حركة شباب هتلر. وبعد الحرب، عندما شاهد الأفلام التسجيلية عن محرقة اليهود وتتبع وقائع محاكمات نورمبرج، تفتحتْ عيناه على الحقيقة المروعة لمعسكر اعتقال أوشفيتس، والمدى الكامل للكارثة الأخلاقية الجمعية للحقبة النازية.

دَرَسَ هابرماس الفلسفة في شبابه في جوتنجن وزيوريخ وبون. ولم يكن راديكاليًّا. في الفترة بين عامي ١٩٤٩ و١٩٥٣، انغمس في دراسة أعمال مارتن هايدجر. ولكن سرعان ما نفض عنه أفكاره؛ ليس بسبب عضويته في الحزب النازي ومناصرته للنازيين على الملأ بقدر ما كان بسبب تملصه من الحقيقة لاحقًا ورفْضِه الاعتذار عن أفعاله، والإقرار بها، وتجاوُزها. في عام ١٩٤٩، تأسست الحكومة الأولى لجمهورية ألمانيا الاتحادية بقيادة كونراد أديناور المحافظ. وكانت علاقة هابرماس بهايدجر في شبابه — تلك العلاقة التي بدأت بحماس مفعم بالأمل وسرعان ما تحولت إلى شعور بخيبة الأمل والخيانة — دالَّةً على طبيعة علاقته بنظام أديناور بأسره؛ فقد مثَّلتْ، في رأيه، رفضًا جمعيًّا ومدروسًا للإقرار بالماضي والانفصال عنه.

بيانات الكتاب

الأسم : يورجن هابرماس
المؤلف :  جيمس جوردن فينليسون
المترجم : أحمد محمد الروبي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 160 صفحة
الحجم : 8 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget