الخلية لــ تيرينس آلن




الخلية هي أصغر وحدة في الحياة، ومنها تتكون جميع الأحياء، بدءًا من الكائنات وحيدة الخلية المعروفة لدينا باسم البكتيريا، ووصولًا إلى أكثر الكائنات تعقيدًا؛ مثل الإنسان الذي يضم أعدادًا هائلة جدًّا من الخلايا، لكن تلك الأعداد تتضاءل أمام عدد الخلايا في حوت أزرق يبلغ وزنه مائتي طن. ويمكن النظر إلى
الخلية في أدائها دورَها كاللَّبِنة الأساسية للحياة، على أنها مجموعة بسيطة نسبيًّا من المكونات التي تعمل في تُؤَدَةٍ بَالِغة؛ كي تحافظ على وجودها، وتنقسم من آن لآخر لتكوين خلية جديدة. هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ فكل الخلايا، بدءًا من أبسطها وحتى أكثرها تعقيدًا، هي مصنع جزيئي متكامل يعمل بكل همَّة في كل دقيقة من دورة حياته، سواء في نصف الساعة الذي يمثل عمر أغلب أنواع البكتيريا قبل أن تنقسم، أو في الصيانة الذاتية والنشاط اليومي لخلايانا العصبية التي تعيش عدة عقود. إن تصوير الخلية كمصنع يُعد ناقصًا بعض الشيء؛ فحتى يجاري ذلك المصنع النشاطَ الخلوي، يجب أن يُفكَّك ويعاد بناؤه هو وغالبية آلاته يوميًّا، دون أن تنخفض مستويات الإنتاج به. وجدير بالذكر أن عدد الخلايا النباتية والحيوانية أكبر ألف مرة من البكتيريا فضلًا عن أن تنظيمها الداخلي أكثر تعقيدًا وتشابكًا.

ما نوع الآلية الداخلية التي يمكن أن تدعم المستويات الهائلة من التخليق التي تسمح للخلايا الأبسط بمضاعفة نفسها في دقائق، والخلايا الأكثر تعقيدًا في يوم واحد؟ بشكل أساسي، تعتمد الحياة على ذرَّاتِ ستةِ عناصرَ فقط من ١١٧ عنصرًا معروفًا لنا، وهي: الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والفوسفور والكبريت. يشكِّل الهيدروجين والأكسجين — وهما متحدان معًا لتكوين جزيئات الماء — ٩٩ من كل ١٠٠ جزيء في الخلية، وهو ما قد يجعل الحياة تبدو وكأنها كيان مائع للغاية، لكنَّ الحقيقة أن بعض هذا الماء مرتبط بإحكام ببنية الجزيئات الأكبر حجمًا، ولا يكون في شكل سائل فعلي. تعتمد الحياة عند مستوى الجزيئات على مجموعة محدودة من جزيئاتٍ صغيرةٍ أساسُها الكربون شائعةٍ في كل الخلايا، وتتضمن السكرياتِ (التي توفِّر الطاقة الكيميائية)، والأحماضَ الدهنية (التي تكوِّن أغشية الخلايا)، والأحماضَ الأمينية (الوحدات المكوِّنة لكل البروتينات)، والنيوكليوتيدات (الوحدات الفرعية للجزيئات الحاملة للمعلومات الوراثية؛ مثل الحامض النووي الريبي منقوص الأكسجين «دي إن إيه»، والحامض النووي الريبي «آر إن إيه»). تتكون كل البروتينات من ٢٠ نوعًا مختلفًا فحسب من الأحماض الأمينية المنتشرة في كل الكائنات الحية. تجتمع هذه «الأبجدية» من الأحماض الأمينية في مجموعة من الأشكال المختلفة والمشابِهة لاستخدام الحروف في تكوين الكلمات؛ وذلك لتكوين «مفردات» هائلة العدد من البروتينات. توجد البروتينات في مجموعة من الأشكال ذات التنوع الهائل؛ مما يوفر المواد البنائية، والمحفِّزات الكيميائية، والمحركات الجزيئية التي تدعم وتدفع العمليات التي تقوم عليها الحياة. تُخزَّن شفرة كل بروتين في شفرة أخرى مكوَّنة من أربعة أحرف تكوِّن الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» وتُورَّث من الخلية الأم إلى الخلية الوليدة مع كل عملية انقسام. يختص كل جين من الجينات الفردية التي يبلغ عددها نحو ٢٤ ألف جين في اﻟ «دي إن إيه» ببروتين معين، لكن قد تحتوي أجسادنا على أضعاف هذا العدد من البروتينات التي تتكون من خلال تعديل الرسالة الوراثية الأصلية. تتجمع البروتينات لتكوِّن مركباتٍ متعددةَ البروتيناتِ تؤدي وظيفة التُّروس والمحامل التي تدفع محركاتِ الإنتاجِ والصيانة داخل الخلية. يعمل هذا المستوى من التعقيد بشكل مثالي في الخلايا الأبسط مثل البكتيريا. لكنْ في الخلايا الأكبر حجمًا والأكثر تعقيدًا، مثل خلايا جسم الإنسان، هناك مهامُّ معيَّنةٌ تُنفَّذ في مواقع معينة في الخلية تسمى العضيات، التي تَكون منفصلة عن المكونات الأخرى داخل الخلية بواسطة أغشيتها. ومما يزيد هذه الدرجة من التعقيد، أن أجسادنا تحتوي على ما يقرب من ٢٠٠ نوع مختلف من الخلايا.



يحاول هذا الكتاب تقديم نبذة موجزة عن التنوع الهائل الذي تستعين به الخلايا في أداء وظائفها، وعن السبب في أن أي خلل «خلوي» يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالمرض.

(٢) الخصائص الأساسية للخلية

إن أيَّ شيء يعيش على سطح الأرض بطبيعته مكوَّنٌ من خلايا. عند هذه النقطة، يجب أن نستبعد الفيروسات؛ حيث إنها غيرُ قادرة على التكاثر دون الانقضاض على العمليات التخليقية للخلية التي تصيبها. إن طبيعتها غيرَ الحيوية تتأكد من خلال القدرة على تكوين بلورات من الفيروسات المنقَّاة في محلول. تُعَدُّ الخليةُ الوَحدةَ الأساسية للحياة، وبالتالي، يجب أن تتوافر فيها المتطلبات الآتية: (١) أن تكون كيانًا منفصلًا يتطلب غشاءً سطحيًّا. (٢) أن تتفاعل مع البيئة المحيطة لاستخلاص طاقة بشكل ما من أجل البقاء والنمو. (٣) أن تتكاثر. وهذه المتطلبات واحدة في كل الكائنات الحية، بدءًا من أصغر بكتيريا وحتى أي نوع من الخلايا التي يبلغ عددها ٢٠٠ نوع مختلف يتكون منها الإنسان. تعيش العديد من الكائنات الحية في صورة خلية وحيدة، في حين يحتوي جسم الإنسان على نحو ١٠٠ تريليون خلية إجمالًا. يمكن تشبيه هذا العدد بالعدد الإجمالي للبشر على الأرض اليوم (من ٦ إلى ٨ مليارات شخص)، أو حتى بالعدد الإجمالي للبشر الذين يُعتقد أنهم عاشوا على سطح الأرض (١٠٦ مليارات). كي نساعدك على إدراك هذه الأعداد الهائلة، ربما يمكننا استخدام تشبيه معتمد على الوقت. فإن تريليون ثانيةٍ ماضية تعادل نحو ٣٠ ألف عام؛ وقت أنْ كان النياندرتال يجوبون أنحاء أوروبا.

بيانات الكتاب

الأسم : الخلية
المؤلف :  تيرينس آلن
المترجم : مصطفى محمد فؤاد
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 132 صفحة
الحجم : 6 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget