النسبية‏ لــ راسل ستانارد



مبدأ النسبية وسرعة الضوء

تخيل أنك داخل عربة قطار متوقف في إحدى المحطات، وحين تنظر من النافذة ترى قطارًا ثانيًا متوقفًا إلى جوار قطارك. تنطلق الصافرة، وأخيرًا تمضي في طريقك. يتحرك قطارك في سلاسة مجتازًا القطار
الثاني، وتختفي آخر عرباته من أمام ناظريك، بما سيمكِّنك من رؤية محطة القطارات نفسها وهي تختفي بعيدًا مع تركك إياها. لكن المحطة لا تختفي، بل هي باقية كما هي في مكانها، وأنت أيضًا باقٍ في مكانك دون حراك؛ فتكتشف أنك لم تكن تتحرك على الإطلاق، بل إن القطار الآخر هو ما تحرك.

هذه ملاحظة بسيطة، وجميعنا وقع ضحية هذه الخدعة في وقت ما. فالحقيقة هي أننا نعجز عن تحديد ما إذا كنا نتحرك بالفعل أم لا؛ على الأقل فيما يتعلق بالحركة الثابتة المنتظمة في خط مستقيم. في المعتاد، عندما تتحرك مستقلًّا سيارة، مثلًا، فأنت تكون على معرفة بأنك تتحرك. وحتى لو أغلقت عينيك، فستشعر بدفعة بينما تجتاز السيارة المنعطفات والمطبات، وحين تزيد من سرعتها أو تقللها على نحو مفاجئ، لكن إذا كنت على متن طائرة تتحرك بثبات، وباستثناء ضجيج المحركات والاهتزازات الطفيفة، لا يوجد ما يُنبئك إطلاقًا بأنك تتحرك؛ فالحياة تسير داخل الطائرة كما لو أننا مستقرون على الأرض. هنا نقول إن الطائرة تمثل «إطارًا مرجعيًّا قصوريًّا»؛ وبهذا نعني أن قانون نيوتن للقصور الذاتي ينطبق، وتحديدًا أن أي جسم — حين يُرصد داخل إطار القصور الذاتي هذا — لن يغير من سرعته أو اتجاهه ما لم تؤثر عليه قوة مخلة بالتوازن. على سبيل المثال، سيظل كوب الماء الموضوع على الطاولة أمامك ساكنًا في مكانه ما لم تحركه أنت بيدك.

لكن ماذا لو نظرتَ من نافذة الطائرة ورأيت الأرض وهي تمر من تحتك؟ ألا ينبئك هذا بأن الطائرة تتحرك؟ في الواقع لا. فعلى أي حال، الأرض نفسها ليست ساكنة في مكانها، بل هي تدور حول الشمس، والشمس نفسها تدور حول مركز مجرة درب التبانة، ومجرة درب التبانة نفسها تتحرك داخل عنقود مجرِّي يتكون من مجرات مماثلة لها. كل ما يمكننا قوله هو أن هذه الحركات جميعها «نسبية»؛ فالطائرة تتحرك نسبة إلى الأرض، والأرض تتحرك نسبة إلى الطائرة. وما من وسيلة لتحديد أيٌّ منهما ساكن «بالفعل». فأي شخص يتحرك حركة منتظمة نسبة إلى شخص آخر ساكن يحق له أن يعتبر نفسه هو الساكن بينما الآخر هو الذي يتحرك. سبب هذا هو أن قوانين الطبيعة — أي القواعد الحاكمة لكل ما يدور في الطبيعة — هي ذاتها لكل من يتحرك حركة ثابتة منتظمة. بمعنًى آخر: كل من هو موجود داخل إطار مرجعي قصوري. وهذا هو «مبدأ النسبية».



كلا، لم يكن أينشتاين هو من اكتشف هذا المبدأ، بل يعود الاكتشاف لوقت جاليليو. لماذا إذنْ صارت كلمة «النسبية» مرتبطة بأينشتاين؟ ما لاحظه أينشتاين هو أنه من بين قوانين الطبيعة، توجد قوانين للكهرومغناطيسية اكتشفها ماكسويل. ووفقًا لماكسويل، فإن الضوء نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي؛ ومن ثَم، يصير من الممكن — من واقع معرفة شدة القوى الكهربية والمغناطيسية — حساب سرعة الضوء  في الفراغ. ليست حقيقةُ أن للضوء سرعة من الحقائق البديهية الواضحة؛ فحين تدخل حجرة مظلمة وتضيء مصباحًا، يبدو الضوء موجودًا في كل مكان — على السقف والجدران والأرضية — على نحو فوري. لكن ليس الأمر كذلك؛ إذ يستغرق الضوء وقتًا كي ينتقل من المصباح إلى وجهته. ليس هذا بالوقت الكثير، ويستحيل على العين المجردة أن تدرك هذا التأخير من فرط سرعة الضوء. ووفق قانون الطبيعة هذا، تصل سرعة الضوء  في الفراغ إلى ٢٩٩٧٩٢٤٥٨ كيلومترًا في الثانية (وتختلف عن هذا اختلافًا طفيفًا للغاية في الهواء). وهذه هي السرعة المَقيسة للضوء.
ماذا لو كان مصدر الضوء يتحرك؟ على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يتوقع أن يسلك الضوء مسلك القذيفة المنطلقة من سفينة حربية مارَّة، بحيث يتوقع الراصد الموجود على الشاطئ أن تضاف سرعة السفينة إلى سرعة القذيفة لو أن القذيفة أُطلقت من مقدمة السفينة في نفس اتجاه حركتها، وتُطرح منها لو أُطلقت من مؤخرتها عكس اتجاه حركتها. جرى التحقق من سلوك الضوء في هذا الجانب في مختبر المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) في جنيف عام ١٩٦٤، وذلك من خلال جسيمات دون ذرية ضئيلة تدعى «البايونات متعادلة الشحنة». فالبايونات، التي تتحرك بسرعة قدرها ٠٫٩٩٩٧٥ من سرعة الضوء تحللت مطلِقة نبضتين من الضوء. وقد وُجد أن النبضتين لهما سرعة الضوء نفسها  وذلك في حدود دقة قياس قدرها ٠٫١٪. إذنْ، لا تعتمد سرعة الضوء على سرعة المصدر.

بيانات الكتاب

الأسم : النسبية‏
المؤلف :  راسل ستانارد
المترجم : محمد فتحي خضر
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 109 صفحة
الحجم : 5 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget