توكفيل لــ هارفي سي مانسفيلد




مَن هو ألكسي دي توكفيل؟ هو، بالتأكيد، كاتب صاحب أسلوب بارع، لكنه كاتب أعمال غير قصصية يتحدث عن الحقيقة والواقع بعبارات آسِرة وصياغات جذابة. هو أيضًا عالم اجتماع، لكنه لم يستخدم المنهجيةَ المعقدة والحيادَ غير التدخُّلي والموضوعيةَ المصطنعة التي يستخدمها علماء الاجتماع اليومَ.
وقد كان مدافِعًا عن السياسة ومُصلِحًا فيها في نفس الوقت، متَّبِعًا المنهج العلمي في بعض الأحيان، لكن دون أن يسمح لهذا المنهج العلمي بأن يتعارض مع هدفَيْه السابقين. هل كان مؤرِّخًا؟ نعم؛ لأنه كَتَبَ عن الديمقراطية في أمريكا، التي كانت حينها وما زالت حتى الآن مهدَها الأساسي، وكَتَبَ كذلك عن النظام القديم في فرنسا، الذي كان — بحسب قوله — يرى أن الديمقراطية بدأت فيه؛ والمدهش أن هذا كان في شكل حكم رشيد من قِبَل نظام ملكي. لم يكن يكتب مثل المُنظِّرين المنفصلين عن الزمان والمكان، غير أنه كان يسعى دائمًا وراء الأسباب ولم يكن مجرد سارِدٍ للأحداث، وقد اختار كذلك أن يكتب عن أهم الأحداث، أو «الأسباب الأولى»، على حد زعمه. هل كان فيلسوفًا؟ هذا سؤال صعب، على الرغم من أن الكثيرين ممَّن يربطون بين الفلسفة والنظام السياسي سيجيبون على هذا السؤال بالنفي، أما أنا فأرى أنه يحمل من سمات الفلاسفة أكثر مما يبدو. يمكننا الاتفاق على أنه «مفكِّر»، على الرغم من أنها كلمة غير معبِّرة إلى حدٍّ كبير عن شخصٍ كانت لديه شكوكٌ تجاه الفلسفة.
هل كان رجلًا عظيمًا؟ هذا مؤكد؛ هو رجل عظيم لنفاذ بصيرته، وأيضًا لأنه أخذ على عاتقه تفسير العظمة في عصر ديمقراطي في الوقت الذي كانت فيه محلَّ هجومٍ أو ببساطةٍ مُغفَلةً تمامًا. إنه رجل عظيم ربط بين الديمقراطية والحرية من جهة، والعظمة من جهة أخرى.



لقد وصف توكفيل نفسه بأنه «ليبرالي من نوع جديد». أما اليوم، فهو غير معروف باعتباره ليبراليًّا، كما هو الحال بالنسبة إلى صديقه جون ستيوارت ميل، الذي ألَّف كتابًا عنوانه «عن الحرية» لتفسير المبادئ الليبرالية وتأييدها. يبدو أن توكفيل كان يميل أكثر للوصف والتحليل بصفته عالم اجتماع، غير أن أسلوبه كان بارعًا. وعلى الرغم من أن أعماله كانت تزخر بالرؤى الكاشفة، فإن أفكاره نَبَعَت من رصد الحقائق بدلًا من أن تظهر مرتَّبةً على نحوٍ منهجي في تسلسُل الحجج. لكنني سأحاول أن أحافِظ له على الوصف الذي أطلقه على نفسه، وأوضِّح أنه يستحق المرتبةَ الأعلى بين الليبراليين؛ فقط لأنه لم يكن مُنظِّرًا كما يريد عادةً الليبراليون أن يكونوا.
إذا كان توكفيل ليبراليًّا من نوع جديد، فهذا يعني أن الليبرالية نفسها ليست شيئًا جديدًا. صحيح أن كلمة «ليبرالي» قد بدأ استخدامها فقط في عصر توكفيل، لكن كان أساس تلك الليبرالية قبل ظهورها موجودًا في معتقدات المُنظِّرين السياسيين المُحدثين في القرن السابع عشر، وبالأخص توماس هوبز وباروخ سبينوزا وجون لوك، الذين جعلوا الأساسَ الذي انطلقوا منه هو أن الإنسان حر بطبيعته. لقد كانوا يقصدون أنه قبل أن يصبح الإنسان جزءًا من مجتمع أو نظام سياسيٍّ ما، لا بد أنه كان في حالة مجردة (أي «الحالة الطبيعية»)؛ حيث كان حرًّا في اختيار المجتمع الذي قد يرغب في الانضمام إليه ونظامه السياسي. لا يَعتقد توكفيل أن الإنسان بدأ في تلك الحالة التي كان فيها «كامل الحرية»، بحسب قول لوك، ولا يَعتقد أن الحرية سبقت السياسة. يبدو أن توكفيل كان يتفق بدلًا من ذلك مع أرسطو، وهو الفيلسوف القديم الذي عارضه المُنظِّرون المحدثون هؤلاء، والذي قال إن «الإنسان بطبيعته حيوان سياسي»، قاصدًا أن الحرية الإنسانية تضرب بجذورها في السياسة، وليس في حالة طبيعية أصلية سابقة على السياسة.


بيانات الكتاب

الأسم : توكفيل
المؤلف : هارفي سي مانسفيلد
المترجم :مصطفى محمد فؤاد
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

لقد افتقدوكم كثيرا بسبب الحرب في بلدي

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget