العلاقات الدولية لــ بول ويلكينسون





إن مفهوم العلاقات الدولية مفهوم فضفاض للغاية، فهو في استخدامه الحديث لا يشمل العلاقات بين الدول فحسب، بل يشمل أيضًا العلاقات القائمة بين الدول والمنظمات من غير الدول؛ مثل الكنائس ومنظمات الإغاثة الإنسانية والشركات متعددة الجنسيات، والعلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الحكومية الدولية؛ كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسوف أستخدم في هذه المقدمة
القصيرة جدًّا هذا المفهوم الفضفاض لمادة العلاقات الدولية.

تُدَرَّس مادة العلاقات الدولية في جامعات عديدة، مقترنة في كثير من الأحيان بمنهج العلوم السياسية، أو متضمَّنَة فيه. إلا أنني أرى أن محاولة علماء السياسة أن يفرضوا نوعًا من أنواع الاحتكار على مادة العلاقات الدولية هو أمر غير قابل للتطبيق ولا الاستمرار؛ فالدارس الجاد للعلاقات الدولية يجب أن يتحلى ببعض المعرفة بالتاريخ والقانون والاقتصاد الدوليين، إضافةً إلى السياسة الخارجية والسياسة الدولية.

وقد كانت تلك الطبيعة المركَّبة ومتعددة التخصصات لمادة العلاقات الدولية هي التي جعلت من البحث عن نظرية عامة فعالة للعلاقات الدولية «مهمة مستحيلة». ولا يعني هذا أنه لا توجد نظريات جزئية أو محدودة قيِّمة يمكن تطبيقها على جوانب بعينها من تلك المادة (على سبيل المثال: ثمة مجموعة من النظريات المفيدة في مجالات التنمية الدولية، والحد من الأسلحة، والدورات التجارية، وسباقات التسلُّح)، بيْد أنَّ مدراس الفكر الرئيسية التي توضع على أساسها نظرية عامة في مجال العلاقات الدولية لم تثبُت بأي شكل علمي، بل إنها تمثِّل طرقًا لفهم العلاقات الدولية، أو صورًا تشبيهية أو نماذج تَلقى قبول المقتنعين بها؛ لأن تلك هي الطريقة التي يفضلون رؤية العالم بها. ويمكن القول إنَّه إذا ساد نهج بعينه من نُهُج تفسير العلاقات الدولية بالقدر الكافي، فقد يصبح مُرضيًا في حد ذاته. وأحد الأمثلة الجيدة على ذلك هي النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، التي يمكن القول إنها ما زالت أكثر المدارس الفكرية تأثيرًا في مجال العلاقات الدولية على طرفي المحيط الأطلنطي.

(٢) النظرية الواقعية

إن الرائدَين الفعليَّين للمدرسة الواقعية الحديثة في العلاقات الدولية هما نيكولو مكيافيللي — مؤلف كتاب «الأمير» (١٥٣٢) — وتوماس هوبز — مؤلف كتاب «اللوياثان» (١٦٥١) — إذ افترض كِلا هذين الفيلسوفين السياسيين أن البشر تدفعهم بالأساس مصالحهم الذاتية وشهواتهم، وأن أكثر تلك الشهوات تفشيًا وانطواءً على خطورة محتملة هي شهوة السلطة. ورأَيا أن حاكم الدولة هو الضامن الحقيقي والوحيد للسلام الداخلي؛ لأنه وحده يتمتع بسلطة فرض ذلك السلام. بيد أنَّه في عالم السياسة الدولية الأشمل تسود شريعة الغاب.

وقد رأيا أن السياسة الدولية هي صراع مستمر على السلطة، لا تترتب عليه لزامًا حروب علنية متواصلة، ولكنه دائمًا ما يستلزم التأهب لخوض الحرب. وفي خِضَم حالة الفوضى السياسية المستمرة هذه، يكون المسار الحصيف الوحيد أمام الأمير هو شحذ أكبر قدر ممكن من القوة، وإعمالها في حماية المصلحة الوطنية لبلاده والسعي وراءها. ولهذا الغرض كانت القوة العسكرية هي المطلب الأهم، واعتُبِرت الثروة المتكونة عن التجارة والصناعة وسيلةً في المقام الأول لاكتساب القوة العسكرية اللازمة.



بيانات الكتاب


الأسم : العلاقات الدولية
المؤلف :  بول ويلكينسون
المترجم : لبنى عماد تركي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget