الخيال العلمي لــ فيليب بول




إحدى أُولَيَات الصور التي ترتبط لدينا بالخيال العلمي هي سفينة الفضاء، وإحدى أوليات الحبكات التي نتوقَّعها هي الرحلة إلى الفضاء، التي أتاح مداها غير المحدود نطاقًا لخيال الروائيين منفصلًا عن الواقع؛ فمن المنظور التاريخي، توجد صلة طبيعية بين الرحلات البحرية — كما في رواية توماس مور «يوتوبيا» أو «رحلات جَليفر» — ورحلات الفضاء؛ فكلتاهما تُقدَّم في إطار الرحلة، وكلتاهما متسلسلة بطبيعتها؛ لأن الأحداث تقع بين فترات انتقالات طويلة. وبالتأكيد كان استخدام الأجهزة المضادة للجاذبية في كتابات الخيال العلمي الأولى مبرِّرًا جليًّا لإمكانية قطع مسافات شاسعة في الفضاء على جناح السرعة؛ فقد استخدم سيرانو دي برجراك في روايتين مرتبطتين بعنوان «دول وإمبراطوريات القمر» (١٦٥٧) و«دول وإمبراطوريات الشمس» (وقد توفي قبل إكمالها) رحلةً صاروخيةً من الأرض لبناء حبكة القصة، لكنه لم يُبدِ اهتمامًا فعليًّا بشرح تكنولوجيا الصواريخ أو الرحلات، بل اهتمَّ فحسب بالعوالم التي قصدتْها هذه الرحلات.
في تلك الحالات، وفي كثير من الأعمال اللاحقة، كانت رحلة الفضاء وسيلة لإبعادنا عن العالَم المألوف؛ مما يُتيح رؤية الأرض من منظور خارجي (ساخر عادةً)؛ لذا، نجد أن المسافر في روايتَي برجراك يُضطر إلى إعادة النظر في افتراضاته حول القِيَم الأرضية، بينما يعتبره سكان القمر كائنًا أشبه بالقرد. أحد الأمثلة اللاحقة التي توضح الصلة بين هذين النوعين من الرحلات هي رواية جوزيف أتيرلي «رحلة إلى القمر» (١٨٢٧) التي تحكي قصة ابن تاجر أمريكي ينطلق في رحلة إلى كانتون في الصين، لكن سفينته تتحطم على ساحل بورما. فيُصادق من بين رفاقه المحليين كاهنًا هندوسيًّا يبوح له بسِرِّ السفر عبر الفضاء وكذلك بحقيقة وجود سكان على سطح القمر. يسافر الاثنان إلى القمر في مكعَّب نحاسي، وتستعرض بقية الرواية تجربة الراوي مع ثقافة سكان القمر تحت توجيه الكاهن، الذي يوضح له أوجُه الاختلاف الكثيرة بين تلك الثقافة وبين المجتمع الأمريكي.
يوضح مثال شهير أخير تأثير تبديل المواقع في تلك الروايات، ونجده في رواية ديفيد ليندزي «رحلة إلى نجم السماك الرامح» (١٩٢٠)، وهي تُبدِي من جديد اهتمامًا سطحيًّا فحسب بالرحلة ذاتها، التي تتضمن انتقالًا من اسكتلندا إلى نجم غير مأهول عبر بلورات على شكل طوربيد. تضم أحداث الرواية سلسلة من الحلقات يَختَبِر أثناءها المسافرُ — الذي يُدعى ماسكل — أنواعًا مختلفة من الإدراك الحسي على الكوكب الجديد، تشبه تلك الناتجة عن وجود حاسة سادسة. في هذه الحالة، وفي حالات أخرى كثيرة، تتيح الرحلة إلى الفضاء انتقالًا مُريحًا إلى عوالم أخرى، وتقدِّم مواقع صالحة للتأمل الثقافي والميتافيزيقي.





بيانات الكتاب



الأسم : الخيال العلمي
المؤلف : ديفيد سِيد
المترجم :نيڤين عبد الرؤوف
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget