علم الأوبئة لــ رودولفو ساراتشي




في الثامن والعشرين من شهر فبراير عام ٢٠٠٣، طلب المستشفى الفرنسي بهانوي في فيتنام — وهو مستشفى خاص يحوي أقل من ٦٠ سريرًا — مشورة مكتب منظمة الصحة العالمية في هانوي. ففي السادس والعشرين من فبراير، دخل أحد المسافرين على درجة رجال الأعمال — وكان قادمًا من هونج
كونج — المستشفى لمعاناته من أعراض تنفسية تشبه أعراض الأنفلونزا التي كانت قد بدأت قبل ذلك بثلاثة أيام. وأجاب دكتور كارلو أورباني — المسئول الطبي بمنظمة الصحة العالمية، وعالِم الأوبئة المتخصص في الأمراض المعدية، والعضو السابق بمنظمة «أطباء بلا حدود» — على المكالمة الهاتفية. وفي خلال أيام، مرض ثلاثة أشخاص آخرون وكانوا يعانون من الأعراض نفسها؛ مما جعل أورباني يدرك مدى شراسة المرض وقدرته العالية على نقل عدواه. لقد بدا أشبه بالأنفلونزا، غير أنه لم يكن كذلك. وفي أوائل شهر مارس تُوفِّي المريض الأول، وبدأت حالات مشابهة تظهر في هونج كونج وفيما عداها من المناطق. وأصر دكتور أورباني في شجاعة على العمل وسط بيئة كان يعلم أنها شديدة الخطورة. وبعد إطلاق تحذير عالمي عبر شبكة المراقبة التابعة لمنظمة الصحة العالمية، سقط أورباني مريضًا أثناء رحلة سفر إلى بانكوك وتوفي يوم ٢٩ مارس. وفي تلك الفترة كانت أعداد من الحالات الجديدة قد بدأت تظهر تباعًا، وكان بعضها مسببًا للوفاة، ولم تعد مقتصرة على العاملين بالمستشفى الفرنسي، وإنما عمت أنحاء هونج كونج وتايوان وسنغافورة والصين وكندا. وقع على عاتق إدارة الصحة العامة مهمتان مترابطتان، هما: بناء شبكة عالمية للطوارئ لاحتواء المرض، وفي الوقت نفسه بحث السبل التي تنتشر العدوى بواسطتها بهدف التحديد الدقيق لمنشئها واكتشاف الكيفية التي انتشر بها العامل المسبب للمرض، الذي كان في أغلب الظن ميكروبًا. واستغرق الأمر أربعة أشهر حتى تم تحديد العامل المسبب للمرض الجديد، الذي كان واحدًا من فيروسات عائلة كورونا الفيروسية الذي انتقل ليصيب الإنسان آتيًا من الحيوانات البرية الصغيرة التي يجري تداولها وتناولها كطعام في مقاطعة جوانجدونج الصينية. بحلول يوليو عام ٢٠٠٣، تم وقف الانتشار العالمي للفيروس، الذي كان يحدث في الأساس عبر المسافرين بالطائرات المصابين بالعدوى. وتوقف تفشي المرض الجديد، الذي أُطلِق عليه اسم «سارس» (وهو اختصار لعبارة بالإنجليزية تعني المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة) عند رقم يقترب من ٨٠٠٠ حالة مرضية و٨٠٠ حالة وفاة. كان من الممكن أن تكون الخسارة أكثر فداحة بمراحل لولا حدوث تعاون دولي جدير بالإعجاب للسيطرة على انتشار الفيروس عن طريق عزل الحالات والسيطرة على أسواق الحيوانات البرية. كان علم الأوبئة يمثل عصب تلك الجهود؛ إذ جمع بين الأبحاث التي أُجريت حول المجتمعات السكانية التي أصابها المرض وبين الدراسات المعملية التي قدَّمت المعرفة اللازمة للتدخلات المتعلقة بمكافحة المرض.



وكلمة علم الأوبئة epidemiology مشتقة من كلمة epidemic (التي تعني وباء)، المشتقة بدورها من المقطعين اليونانيَّين epi (بمعني بين) وdemos (بمعنى الناس). إن أوبئةً كسارس وهي تهاجم مجتمعًا سكانيًّا في مظهر غير معتاد لأحد الأمراض تتطلب أبحاثًا فورية، غير أن الأسلوب المتبع في البحث في هذه الحالة هو ذاته المطبق على جميع الأمراض بصفة عامة، سواء أكانت غير معتادة في نمطها أو في معدل تكرار الإصابة بها أم متواجدة بصورة دائمة في مجتمع سكاني ما؛ أي «متوطنة» فيه. في حقيقة الأمر، تُستخدم الوسائل نفسها في دراسة الأحداث الفسيولوجية الطبيعية مثل الإنجاب والحمل، والنمو الجسماني والعقلي داخل المجتمعات السكانية. وإيجازًا يمكن القول إن «علم الأوبئة هو علم يدرس الصحة والمرض داخل المجتمعات السكانية.»


بيانات الكتاب

الأسم : علم الأوبئة
المؤلف :  رودولفو ساراتشي
المترجم : أسامة فاروق حسن
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 149 صفحة
الحجم : 7 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget