كان لروسو — وكذا لمونتسكيو وهيوم وسميث وكانط من بين معاصريه — أكبر الأثر في التاريخ الفكري الأوروبي المعاصر، ربما بما يتجاوز أثرَ جميعِ معاصريه. فلم يُساهِم مفكِّر مثلُه من مفكري القرن الثامن عشر بكمٍّ أكبرَ من الكتابات المهمة في نطاق كبير جدًّا من الموضوعات وبأشكال مختلفة من أشكال الكتابة، ولم يُضارِعه أحد في كتابته من حيث الحماس المتَّقد والفصاحة البليغة. ولم يتمكن أحد غيره —
من خلال أعماله وحياته — من أن يثير الخيال العام أو يُربِكه بهذا القدْر من العمق. ويكاد يكون روسو وحده بين أبرز رموز التنوير الذي عرَّضَ التيارات الأساسية للعالم الذي عاش في جنباته إلى أكثر الانتقادات إلهامًا، حتى حين كانت غايته الطعن في مسارها، وعندما اغتنم قادة الثورة الفرنسية لاحقًا الفرصة لمحاولة وضع النظريات السياسية محل التطبيق العملي، فقد كانت بوصلتهم في المقام الأول موجهة تجاه أفكار روسو.
وشأنه شأن غيره من أبرز كتاب عصره، كان لروسو بطبيعة الحال العديد من الاهتمامات بخلاف السياسة. فقد كان مؤلفًا موسيقيًّا محبوبًا جدًّا، ومؤلفًا لقاموس كبير ومهمٍّ للموسيقى، وهو الموضوع الذي ربما استرعى انتباهه أكثر من غيره طيلة حياته. ورغم أن عددًا من أبرز كتاباته المبكرة المهمة تعاطت مع الفنون والعلوم وفلسفة التاريخ، فمن الواضح أن شغفه الأساسي خلال سنواته الأخيرة انصبَّ على علم النبات الذي خصص له مجموعة من الرسائل أمستْ بعدَ ترجمتها للإنجليزية مرجعًا شهيرًا في هذا العِلْم في إنجلترا. ولقد أشعل مؤلَّفُه «أحلام يقظة جوال منفرد» ثورة من الطبيعية الرومانسية في شتَّى أرجاء أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر، بينما حظِيَتْ روايتُه «إلواز الجديدة» بأوسع انتشار بين القُرَّاء في زمانه. علاوة على ذلك، يُعَدُّ مؤلَّفه «اعترافات» أهم عمل للسيرة الذاتية منذ السيرة الذاتية للقديس أوغسطين، وكذا مؤلَّفه «إميل» عُدَّ أهم عمل عن التربية بعد كتاب «الجمهورية» لأفلاطون. ومع ذلك، فقد حقق روسو أوسع شهرة له كفيلسوف أخلاقي ومفكر سياسي.
بيانات الكتاب
الأسم : روسو
المؤلف : روبرت ووكلر
المترجم :أحمد محمد الروبي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م
إرسال تعليق