السرطان لــ نيكولاس جيمس




السرطان مرض شائع، بل هو شديد الشيوع. في عام ٢٠٠٨، شُخِّص المرض لدى ما يقرب من ١٢٫٧ مليون نسمة، توفي منهم ٧٫٩ ملايين شخص، فشكّلوا ما يقرب من ١٣٪ من إجمالي الوفيات في ذلك العام. وبالرغم من الاعتقاد أن السرطان مرض يصيب كبار السن في البلدان صاحبة الاقتصاد الأكثر ثراءً، فإن حوالي ٧٠٪ من تلك الوفيات وقعت في البلدان ذات الدخول المنخفضة أو المتوسطة. ويصيب السرطان كلا الجنسين وجميع الأعراق، الغنية منها والفقيرة على السواء. يخشى الناس من تشخيص المرض، إذ
يعتبره المصابون به (وكثيرًا ما يكون هذا الافتراض صائبًا) حكمًا بالإعدام. والمرض ذاته وعلاجه من الأسباب الكبرى للألم والاكتئاب. فعلاج السرطان عبء هائل على أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، ويعد المرض من الأسباب الرئيسية لفقدان القدرة الإنتاجية في القوى العاملة نتيجة للوفاة المبكرة. وسوف نلقي في هذا الفصل نظرة عامة على مشكلة السرطان، مع التركيز على بعض أنواع السرطان الأكثر شيوعًا حتى نوضح للقارئ حجم التباين في أعداد المصابين به في أنحاء العالم. وأي مرض يصيب هذا العدد الهائل من الأفراد ستكون له علاوة على ذلك آثار اقتصادية خطيرة، لهذا سنسلط في هذا الفصل أيضًا الضوء على بعض الأساليب التي تتفاعل من خلالها الخدمات الصحية مع الاقتصاد، وهي نقاط سوف نعرضها بمزيد من التفصيل في فصول لاحقة. وتلقي دراسة أنماط معدلات الإصابة بالسرطان ضوءًا مثيرًا للغاية على أسباب مرض السرطان (التي يتناولها الفصل الثاني بالتفصيل). أيضًا سوف نلقي الضوء على بعض الروابط الأكثر إثارة للدهشة في هذا الفصل.
تشكل رعاية مرضى السرطان والأبحاث التي تجرى عليه أيضًا عناصر مهمة في النشاط الصناعي. فنصف إجمالي العقاقير التي تستخدم في التجارب السريرية خاصة بالسرطان، وقد قُدِّرت السوق العالمية لجميع أدوية السرطان بقيمة ٤٨ مليار دولار عام ٢٠٠٨ بعد أن كانت ٣٤٫٦ مليارًا عام ٢٠٠٦. ويتوقع المحللون أن يتجاوز حجم النمو نسبة ١٠٪ سنويًّا في الفترة من عام ٢٠١٠ إلى ٢٠١٥. وفي كل عام تنفق الصناعة الدوائية ما بين ٦٫٥ إلى ٨ مليارات دولار على أبحاث أدوية السرطان وتطويرها. ويجعل هذا المبلغ ما تنفقه الحكومات والجهات البحثية الخيرية على تطوير الأدوية هزيلًا، ما قد يعني أن الأدوية الجديدة تتركز في المجالات التي تحقق أعلى تأثير تجاري، لا على تلك التي تؤثر في الصحة العامة. وتعد شركات الدواء صاحبة عقاقير السرطان الناجحة من كبرى المؤسسات التجارية على مستوى العالم. أما شركات التكنولوجيا الحيوية التي لا تمتلك منتجات رائجة، لكنها تعمل على نحو واعد للوصول إلى عقار للسرطان، فيمكن أن تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لا لشيء إلا لاحتمال أن يُرخَّص هذا العقار في أي وقت لاحق كعلاج للسرطان. وهناك ما لا يقل عن ١٩ عقارًا مضادًّا للسرطان تجاوزت مبيعات كل واحد منها مليار دولار عام ٢٠٠٩، وهو رقم يشكل عبئًا جسيمًا على الأنظمة الصحية حتى في أكثر بلدان العالم ثراءً التي تتحمل عبء شراء تلك الأدوية لمرضاها.
على الجانب الآخر، فإن قدرة ما يقرب من ثلث عدد مرضى السرطان على الوصول إلى علاج فعال محدودة للغاية، وترتفع هذه النسبة في أفقر بلدان العالم إلى أكثر من نصف المرضى. وبمضينا قدمًا على هذا المنوال، ربما يصل بنا الحال — مع تزايد عدد كبار السن وارتفاع أسعار الأدوية — إلى وقت لا يتاح فيه العلاج الدوائي «الأكثر تطورًا» إلا للشريحة الأكثر ثراءً في أكثر النظم الاقتصادية ثراءً. بدلًا من ذلك، ربما يتيح تنبؤ أفضل بالاستجابة للعلاج خيارات علاجية موجهة لكل فرد على حدة، مما يقلل التكاليف الناتجة عن العلاج غير الضروري أو غير الفعال. فعلى عكس السيارات أو أجهزة الكمبيوتر مثلًا، التي نتوقع منها أن تؤدي عملها في كل مرة نستخدمها فيها، لا تنجح معظم أدوية السرطان إلا مع نسبة من المرضى. أما مرضى المراحل المتقدمة، الذين يكون الهدف من العلاج معهم تخفيف أعراض المرض أو تحسين جودة حياتهم، فربما تقل هذه النسبة كثيرًا عن ٥٠٪، ومن ثم فإن غالبية العلاجات قد تكون بلا فائدة، أو ما هو أكثر من ذلك في الواقع؛ إذ إنها قد تتسبب في آثار جانبية دون أن تحقق أي منفعة. لذا، فإن القدرة على تحديد المرضى الذين يحتمل أن يستفيدوا من العلاج قبل تقديمه لهم أمر بالغ الجدوى من ناحية التكلفة ومن الناحية العلاجية، ولهذا صار هذا الأمر موضع اهتمام رئيسي لأبحاث السرطان التي تجري حاليًّا (انظر الفصلين الرابع والخامس).
علاوة على ذلك، استحوذ السرطان على اهتمام جامعات العالم وأوساطه الأكاديمية. ففي عام ١٩٦١، تعهد جون كنيدي بإرسال إنسان إلى القمر بحلول نهاية ذلك العقد. وبعدها بتسع سنوات، سار نيل أرمسترونج وباز ألدرين فوق سطح القمر. وبعدها بعشر سنوات، في عام ١٩٧١، أطلق نيكسون تعهدًا مماثلًا بإعلانه «الحرب» على السرطان. وفيما يشبه كثيرًا «الحرب على الإرهاب» التي أُعلِنت حديثًا، فإن إعلان الحرب على مشكلة عالمية متعددة الأوجه لم يحقق سوى نجاح جزئي على أفضل تقدير. فتعهد نيكسون المبدئي كان بمبلغ يقترب من ١٠٠ مليون دولار، وكان هذا الرقم يبدو أشبه بثروة طائلة في ذلك الوقت، غير أنه تبين فيما بعد أنه بالكاد يعالج الأمر سطحيًّا فقط. ومنذ عام ١٩٧١، كان هناك المزيد من مليارات الدولارات التي أنفقت على الأبحاث، لكن بعد أكثر من ثلاثين عامًا، لا يزال السرطان واحدًا من أهم أسباب الوفاة في أنحاء العالم، إذ يصاب به حوالي شخص من بين كل ٣ أشخاص في البلدان المتقدمة، ويتوفى بسببه في البلدان الغربية واحد من كل خمسة أشخاص. من الواضح أن مداواة السرطان أصعب من «علم الصواريخ».
تنفق الدول بجميع أنحاء العالم مبالغ طائلة على أبحاث تدور حول أسباب السرطان وعلاجه. ففي عامي ٢٠٠٩ / ٢٠١٠، أنفق المعهد الأمريكي القومي للسرطان ٤٫٧ مليارات دولار على أبحاث السرطان، وكان المبلغ المناظر الذي أنفقته أوروبا حوالي ١٫٤ مليار يورو. وفي المملكة المتحدة، يعد أكبر منفق في هذا المجال «مؤسسة أبحاث السرطان بالمملكة المتحدة»، وهي واحدة من كبرى المؤسسات البريطانية الخيرية، التي حققت في عام ٢٠١٠ دخلًا سنويًّا من التبرعات يزيد عن ٥٠٠ مليون جنيه استرليني، مما يعكس الأهمية التي تُمنَح لمسألة البحث عن أسباب السرطان والعلاجات الناجعة له بين قطاع أكبر من السكان (غير أن المتلقي الأساسي للتبرعات العامة هو الحيوانات لا البشر!) وبالرغم من هذا الإنفاق الهائل على الأبحاث، فما زلنا لا نفهم بحق السبب وراء نسبة هائلة من أنواع السرطان. علاوة على ذلك، وبالرغم مما أُنفِق من مال على العقاقير وأبحاثها، نجد أن معظم من شفوا من مرضى السرطان، عولجوا إما بالتدخل الجراحي أو بالعلاج الإشعاعي، كما سنشرح في الفصل الثالث. أما العلاج الكيماوي وغيره من أساليب العلاج الأخرى الأحدث عهدًا، مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة أو العلاجات «بالجزيئات الصغيرة» الموجهة، مع أن أهميتها في ازدياد مستمر، فلا تزال تشكل أقلية بين أساليب العلاج، وإن كان لها دور مهم في تخفيف الأعراض في الحالات المتقدمة من المرض.



بيانات الكتاب


الأسم : السرطان
المؤلف :  نيكولاس جيمس
المترجم : د. أسامة فاروق حسن
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget