تاريخ الطب لــ ويليام باينَم



هذا كتاب موجَز عن موضوع كبير جدًّا، وقد حاولتُ في هذا الكتاب تقديم إطار عامٍّ لفهم تاريخ الطب منذ أن أَسَّس الإغريق ما يمكن أن نطلِق عليه: الممارسة الطبية الغربية. وإنني لأقدِّم هذا السرد التاريخي من خلال تصنيفٍ يشمل «أنواع» الطب، التي ألخِّصها في الجدول الوارد أدناه، وأتناولها بالشرح في الفصول الخمسة الأولى.
تُمثل أنواع الطب الخمسة الواردة في الجدول ١ — الطب عند فِراش المريض، وطب المكتبات، وطب
المستشفيات، والطب المجتمعي، وطب المعامل — الأهدافَ المختلفة للأطباء، بالإضافة إلى أنها تعكس أماكن العمل المختلفة لأولئك الأطباء. وعلى الرغم من أن مظهر تلك الأنواع من الطب يسمح بتقديم سردٍ شبه زمني، فإنها تراكمية؛ فممارسة الطب عند فراش المريض — التي بدأتْ بأبُقراط — لا يزال أثرها باقيًا في الرعاية الأوَّلية الحديثة، وطب المكتبات الذي تعُود نشأته إلى العصور الوسطى لا يزال وثيق الصلة بالانفجار المعلوماتي الذي يتميَّز به عالم الطب الحديث (وليس عالم الطب البسيط بالطبع). وفي القرن التاسع عشر، كان طب المستشفيات يمثِّل بصورة أو بأخرى تطبيقًا موسَّعًا لممارسة الطب عند فراش المريض؛ بأدوات تشخيصية وعلاجية جديدة، والمهارة الطبية التي لنا أن نتوقعها من المستشفيات الحديثة. أما الطب في المجتمع فيشمل البنية الأساسِيَّة البيئية للمياه النظيفة، وعملية التخلص من النفايات، وبرامج التطعيم، ومعايير الصحة والسلامة في الأماكن التي نختار العمل فيها، إلى جانب تحليل أنماط الأمراض وعلاقاتها بالنظام الغذائي أو العادات أو التعرُّض للعوامل البيئية. يجري طب المعامل بالأساس داخل المعمل، وربما يُترجَم في صورة عقاقير أفضل، وفهْمٍ للآليات الجسدية بما يتيح تحسين عملية التشخيص أو العلاج.

ذن فتلك الفئات التاريخية لا تزال فعَّالة، وهي تتيح أسلوبًا للتفكير في تاريخ الطب لا يزال يلقى صدًى لدى مواطني اليوم، الذين يمثِّلون أيضًا دافعي الضرائب، والمنتفعين بالرعاية الصحية، والمستفيدين من استراتيجيات الصحة العامة. تلك «الأنواع» من الطب تدلُّنا على كلٍّ من الأهداف الرئيسية العامة لميزانيات الصحة المعاصرة، وكذلك هوية جماعات المصالح، لا سيَّما على الساحة الأمريكية؛ حيث يتأثر الإنفاق على الصحة بالضغوط التي يمارسها أصحاب المصالح الخاصة؛ ففي جُملة المطالب الصحِّيَّة الرئيسية — مثل: الرعاية الصحية، وخدمات المستشفيات، والصحة العامة، وأبحاث الطب الحيوي، وبناء المعلومات وإتاحتها — ليس ثمة أمورٌ أخرى تقريبًا ينبغي لوزير الصحة في العصر الحديث أن يُعنى بها، ولكنَّ المشكلةَ تكمن بالطبع في تنافُس كلٍّ من تلك الفئات مع الأخرى بصورةٍ ما؛ إذ إنَّ ميزانيات الصحة دائمًا ما تكون محدودة، فكلما زاد إنفاقك على البحث، قلَّ إنفاقك على تزويد المستشفيات بالعمالة أو على الصحة العامة، والعكس صحيح.
كان ثمة تداخُل بين تلك الفئات عبر التاريخ؛ فقد ابتكر الإغريق والرومان — كلٌّ بطريقته — تلك المجموعة الكبيرة من النُّهُج المستخدَمة في التعامل مع المشكلات المتعلقة بالصحة؛ فقد حاولوا الوقاية من الأمراض داخل المجتمع، وأَنْشَئُوا مؤسسات بسيطة للعناية بالعبيد والجنود، واحتاجوا إلى أماكن لتجميع النصوص الطبية، وحاولوا الإضافة إلى متن المعرفة الطبية عن طريق البحث، وبالطبع اعتنَوا بالمريض في فراشه. إلا أن الفئات الحديثة المتمثلة في طب المستشفيات والطب المجتمعي وطب المعامل، نشأت في صورتها الحالية أثناء القرن التاسع عشر، وهي تمثِّل ما نعتبره «حداثة». وفي الفصل الأخير، استخدمتُ التصنيف لصياغة سرد موجز للتطوُّرات الكبرى التي حدثت خلال القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، عندما أصبحت «أنواع» الطب متداخلة.



بيانات الكتاب



الأسم : تاريخ الطب
المؤلف : ويليام باينَم
المترجم :لبنى عماد تركي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget