الإرادة الحرة لــ توماس بينك




هناك أشياء بالتأكيد خارج نطاق سيطرتك. فما حدث في الأزمنة التي سبقت مولدك، وطبيعة الكون الذي تعيش فيه؛ من الأشياء التي يستحيل أن تكون تحت سيطرتك. وكذلك يقع خارج نطاق سيطرتك
الكثير من سماتك الخاصة، ومنها أنك إنسان وسوف تموت، ولون عينيك، وماهية الخبرة التي تقودك الآن إلى ما تعتقده بشأن بيئتك المحيطة، وحتى الكثير من الرغبات والمشاعر التي تنتابك الآن.
لكن هناك أشياء أخرى تتحكم فيها، وهذه هي أفعالك الحاضرة والمستقبلية. فأشياء مثل تحديد هل ستقضي الساعات القليلة القادمة في القراءة بالمنزل أو الذهاب إلى السينما، والمكان الذي ستذهب إليه في إجازة هذا العام، وهل ستصوِّت في الانتخابات القادمة أم لا، ولمن ستعطي صوتك، وهل ستستمر في عملك المكتبي أم ستتركه لتتخذ الكتابة مهنة لك؛ كلها أشياء تتحكم فيها بالفعل. وأنت تتحكم فيها؛ لأنها تتشكل في الأساس من أفعالك المتعمدة أو تعتمد عليها؛ الأفعال التي يئول الأمر إليك في أن تفعلها أو تمتنع عن فعلها. وبوصفك شخصًا بالغًا طبيعيًّا وسليم العقل، فإن طريقة تصرفك ليست شيئًا تفرضه عليك أحداث الطبيعة أو الأشخاص الآخرون فحسب. فعندما يتعلق الأمر بأفعالك الشخصية، تكون أنت المتحكم في ذلك.


وهذه الفكرة المتعلقة بكوننا متحكمين في طريقة تصرفنا — أو ما يمكن أن نطلق عليه أيلولة أفعالنا إلينا — هي فكرة نتشارك فيها جميعًا. وهي سمة ثابتة وأساسية في تفكيرنا، وبإمكاننا جميعًا تمييزها. والفكرة جذابة بدرجة لا تقاوَم. فمهما كان قدر التشكك الذي قد نصبح عليه عند التعامل مع الأمور الفلسفية، فإننا ما إن نعود أدراجنا إلى الحياة العادية حتى نستمر جميعًا في التفكير في أن الطريقة التي نتصرف بها تئول إلينا. والتفكير في أنفسنا بوصفنا متحكمين في الطريقة التي نتصرف بها هو جزء مما يمكِّننا من رؤية الحياة باعتبارها شيئًا قيِّمًا للغاية. وعلى قدر استطاعتنا توجيه طريقة تصرفنا والتحكم فيها، فإن حياتنا سوف تعكس — حقًّا — إنجازنا أو فشلنا. ويمكن لحياتنا أن تكون مِلكًا لنا؛ ليس أن نستمتع بها أو نتحملها فحسْب، بل أن نصنعها ونوجهها بأنفسنا.
أو هكذا نظن. لكن هل نتحكم حقًّا في أفعالنا؟ هل طريقة تصرفنا تئول إلينا حقًّا مثلما أن بعض الأشياء كالماضي، أو طبيعة الكون، أو حتى الكثير من معتقداتنا ومشاعرنا ليست خاضعة لها؟ والمشكلة المتعلقة بكوننا متحكمين دائمًا في طريقة تصرفنا، وما ينطوي عليه هذا التحكم، هي ما يطلق عليه الفلاسفة مشكلة الإرادة الحرة.
إنها بالفعل مشكلة حقيقية. ومهما بدت فكرة تحكمنا في أفعالنا مألوفة، فلا يوجد شيء مباشر أو صريح بشأنها. فالأسئلة الخاصة بكوننا نتحكم في الطريقة التي نتصرف بها أم لا، وما الذي يتطلبه هذا التحكم وينطوي عليه، وهل من المهم أن يكون لدينا هذا التحكم ولماذا؛ كلها تلخِّص واحدة من أقدم وأصعب المشاكل في الفلسفة.


بيانات الكتاب

الأسم : الإرادة الحرة
المؤلف : توماس بينك
المترجم :ياسر حسن
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget