حقوق الحيوان لــ ديفيد ديجراتسيا



المكانة الأدبية للحيوانات

في كل عيد عمال بين عامي ١٩٣٤ و١٩٩٨، كان يُقام مهرجان لصيد الطرائد الحية في بلدة هيجنز الصغيرة في بنسلفانيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وذلك قبل أن تُحظر إقامة المهرجان. كان المشاركون في المهرجان يفدون إليه من جميع أنحاء العالم. خلال الحدث السنوي، كان يُطلق سراح نحو ٥ آلاف حمامة من محابسها، واحدة تلو الأخرى، لتصبح هدفًا للمشاركين. كانت معظم الطيور
التي كان يجري إطلاق الرصاص عليها — أكثر من ثلاثة أرباع الطيور، وفق تقدير محققين من صندوق الحيوانات — تصاب بجروح ولا تُقتل في الحال. كان يُترك بعض هذه الطيور في مضامير الصيد فيما كان المتسابقون يكملون جولات صيدهم، وكان بعض هذه الطيور يتمكن من الهرب إلى الغابات القريبة لتموت ببطء متأثرة بجراحها. بعد انتهاء كل جولة، كان الأطفال الصغار يجمعون الطيور الجريحة ويقتلونها إما دهسًا بالأقدام، أو بفصل رءوسها عن أجسادها، أو سحقها قبالة جوانب البراميل، أو قذفها في البراميل لتموت مختنقة ضمن الحمائم الأخرى المحتضرة أو الميتة. لم يمارس الصيادون والأطفال هذه الأنشطة في الخفاء؛ إذ كان الآلاف من المتفرجين يدفعون تذاكر دخول للجلوس على مقاعد، ويأكلون، ويشربون الجعة، ويصرخون معربين عن تأييدهم لما يقوم به الصيادون والأطفال.

ربما يسمع المرء من حين إلى آخر الزعم القائل إن الاستخدام الآدمي للحيوانات لا يثير أي موضوعات أخلاقية من أي نوع. إذا كان ذلك صحيحًا، فلن يُعتبر أي من الأفعال التي ذُكرت توًّا — إطلاق الرصاص على الحمائم الحية من أجل المتعة، القفز عليها حتى الموت، فصل رءوسها عن أجسادها، إلخ — معضلة أدبية. وبالمثل لا يعد تشجيع الأطفال على المشاركة في ممارسة القسوة ضد الحيوانات، أو تشجيع البالغين والأطفال على الانخراط في هذه القسوة من خلال شراء تذاكر للدخول، معضلة مماثلة.

من الصعوبة بمكان تصوُّر موقف أدبي أكثر تدنيًا من الموقف السابق! من الصعوبة بمكان تصوُّر وجود شخص جادٍّ أدبيًّا — أي شخص يعتقد أنه من المهم التصرف بصورة صحيحة غير خاطئة — لا يدين ولو بعض الأفعال التي ذُكرت توًّا لإيقاعها ضررًا كبيرًا غير ضروري بالطيور! بينما كان الموقف من الحيوانات المتمثل في غض الطرف عنها تمامًا باعتبارها كائنات لا أهمية أدبية لها موقفًا شائعًا في القرون السابقة (انظر الفصل الأول)، يصير هذا الموقف أكثر ندرة بصورة متزايدة، وهو ما يوحي بشيء من التقدم الأخلاقي. ولكن، مثلما يبين مهرجان صيد الحمائم، لا يزال الكثيرون لا يجدون غضاضة في التسبب في الأذى للحيوانات.
من الجلي أن بعض الطرق التي جرى بها التعامل مع الحمائم في مهرجان الصيد السنوي كانت خاطئة. إذا دافع المرء عن «إطلاق الرصاص» على الطيور من أجل المتعة باعتباره أمرًا غير خاطئ تمامًا، حيث إن الهدف سيجري قتله إذا كان محظوظًا في الحال (مع تجاهل أن الكثير من الطيور التي أُطلق عليها الرصاص لم تكن محظوظة تمامًا)، فلن يجعل هذا الدفاع من يأملون في تبرير إلقاء الطيور المصابة في البراميل لخنقها ضمن الطيور الأخرى، مثلًا، يشعرون بالارتياح. تُعتبر معاملة الطيور — والحيوانات الحساسة الأخرى — على هذا النحو خاطئة، ولكن «لِمَ» تُعتبر هذه المعاملة خاطئة؟ وما دلالات الإجابة فيما يتعلق ﺑ «المكانة الأدبية» للحيوانات وما إذا كان لدى الحيوانات «حقوق»؟ تناقش بقية هذا الفصل الإجابات الممكنة المختلفة عن هذه الأسئلة.

(١) المكانة الأدبية

يزعم الكثيرون بصورة متزايدة أن الحيوانات تحظى بمكانة أدبية، أو بحقوق أدبية، أو بكليهما. قبل الشروع في تحديد ما إذا كانت مثل هذه المزاعم صحيحة أم لا، يجب أولًا أن نعرف ما المقصود منها. لنبدأ أولًا بالمكانة الأدبية.

فالزعم أن كلبًا، على سبيل المثال، يحظى «بمكانة أدبية» يعني أن هذا الكلب يحظى بأهمية أدبية في ذاته وليس في علاقته بالبشر. بصورة أكثر دقة، يعني ذلك أن مصالح الكلب أو رفاهيته تُعتبر مسألة مهمة ويجب النظر إليها بعين الجدية، وذلك في صورة منفصلة عن طريقة تأثير رفاهة الكلب على مصالح البشر. بصورة أكثر بساطة، يجب التعامل مع الكلب جيدًا «من أجل الكلب نفسه». وإليك بعض الأمثلة.

يعرف الأشخاص العقلانيون أن ركل الكلاب بصورة وحشية من أجل المتعة يعتبر أمرًا خطأً. لماذا يعتبر ذلك الأمر خطأً؟ هَبْ أنَّ بن وجريج لديهما أسباب مختلفة للموافقة على هذا الحكم؛ فيرى بن أن ركل الكب يعتبر خطأ نظرًا لأن ذلك يؤدي إلى تدمير أحد ممتلكات مالك الحيوان الأليف، وهو ما يشير إلى أن «مصالح مالك الحيوان الأليف» هي العامل الأهم. بطبيعة الحال، لا يُعتبر كثير من الكلاب مملوكًا لأحد. قد يجيب بن أن ركل الكلاب يعتبر خطأ، على أي وجه من الوجوه، نظرًا لأن ذلك عمل يتسم بالقسوة، وأن القسوة رذيلة لا يجب أن نشجعها من خلال القيام بأفعال تتسم بالقسوة، «لأن ارتكاب رذيلة كتلك يجعل المرء، على المدى الطويل، أكثر ميلًا لإساءة معاملة البشر.» إجمالًا، تجعل إساءة معاملة الحيوانات من المرء شخصًا يميل إلى إساءة معاملة البشر. المصالح البشرية هنا أيضًا هي الأساس الجوهري الذي يعتمد عليه بن لمعارضة ممارسة القسوة ضد الحيوانات. وفق وجهة النظر هذه، لا تحظى مصالح الحيوانات بأهمية أدبية «مستقلة»، وهو ما يعني عدم وجود أي مكانة أدبية للحيوانات.

باعتبار أن الحيوانات تحظى بالفعل بمكانة أدبية، يتبنى جريج رؤية مختلفة؛ فيرى جريج أن ركل الكلاب من أجل المتعة يعتبر خطأ نظرًا لأن ذلك يسبب الضرر للكلاب دون وجود أي سبب وجيه لذلك. (وفق سيناريو مختلف، قد يتمثَّل أحد الأسباب الوجيهة في أن إلحاق الضرر بكلب هو السبيل الوحيد لمنعه من مهاجمة طفل.) من وجهة نظر جريج، تعتبر رفاهة الكلب مسألة ذات اعتبار في حد ذاتها، حيث إن لها أهمية أدبية مستقلة عن طريقة التأثير على المصالح البشرية من خلال الارتقاء برفاهة الكلب. بناءً عليه، حتى في حال إقناعك إياه بأن إساءة معاملة الكلب لن تؤثر سلبًا على البشر، سيظل جريج يعتبر إلحاق الضرر بالكلب خطأ. يرى جريج أن الكلب يحظى بمكانة أدبية (أما كون الكلب يحظى بالمكانة الأدبية «نفسها» التي تتمتع بها الكائنات الأخرى ذات الأهمية الأدبية، بما في ذلك البشر، أو لا فهي مسألة أخرى).

ماذا إذن عن «الحقوق الأدبية»؟ ماذا يعني القول إن الحيوانات تحظى بهذه الحقوق؟ هذا موضوع مفاهيمي معقَّد؛ حيث إن مصطلح «الحقوق الأدبية» يستخدم بطرق مختلفة، لكن سيعيننا كثيرًا بيان معنى المصطلح في سياق محدد بحيث لا يقصد من يناقشون ما إذا كانت الحيوانات (أو البشر) تحظى بحقوق أدبية معانيَ مختلفة من خلال استخدام المصطلح نفسه بطرق مختلفة.


بيانات الكتاب


الأسم : حقوق الحيوان
المؤلف :  ديفيد ديجراتسيا
المترجم : محمد سعد طنطاوي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 135 صفحة
الحجم : 14ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget