هيجل لــ بيتر سينجر


لم يُحدِث أيٌّ من فلاسفة القرنين التاسع عشر والعشرين تأثيرًا عظيمًا في العالم كالذي أحدثه هيجل، والاستثناء الوحيد المحتمل لهذا التعميم هو كارل ماركس، الذي تأثَّر هو نفسه تأثُّرًا كبيرًا بهيجل. ولولا هيجل، لم تكن أيٌّ من التطورات الفكرية أو السياسية التي حدثتْ على مدار المائة والخمسين عامًا الأخيرة لتسلك المسار الذي اتخذتْه.

إن تأثير هيجل وحده يجعل من المهم فهمَ فلسفته؛ لكن فلسفته في جميع الأحوال تستحق الدراسة لِذَاتها؛ فقد أوصلتْه أفكارُه العميقة إلى بعض الاستنتاجات التي تصدم القارئَ المعاصر باعتبارها غريبة، بل عبثية. لكن مهما اختلفتِ الآراء حول تلك الاستنتاجات، تظل هناك أطروحات ورؤًى في أعماله تحتفظ بأهميتها حتى يومنا هذا. وتلك الأطروحات والرؤى هي التي ستعوِّض القارئ عن الجهد الذي يبذله في محاولة فهم فلسفة هيجل، بالإضافة إلى حالة الرضا التي ستتولَّد لديه نتيجة نجاحه في التغلُّب على التحدِّي الذي يُمثِّله هيجل لقدرتنا على الاستيعاب.

لا شك في أن فلسفة هيجل تمثل تحديًا في فهمها؛ فالتعليقات على أعمال هيجل مليئة بإشارات إلى «الصعوبة البالغة» لكتاباته، و«مصطلحاته المنفِّرة»، و«الغموض الشديد» لأفكاره. ولتوضيح طبيعة المشكلة، قمتُ للتوِّ بالتقاط نسختي من الكتاب الذي يعتبره الكثيرون أعظم أعمال هيجل؛ وهو «فينومينولوجيا العقل»، وقمتُ بفتْحه على صفحة عشوائية، وكانت أول جملة كاملة في تلك الصفحة (ص٥٩٦) تقول: «فهو ليس إلا التقالب الدائب لهذه اللحظات التي تكون الواحدة منها الكونَ الآيب إلى ذاته، لكن ككونٍ لذاته وحسب؛ أي كلحظة مجردة، تنحو جانبًا حيال اللحظات الأخرى.» ومع أنني أُقرُّ باقتطاع الجملة من سياقها، فهي مع ذلك توضِّح بعض الصعاب التي يُواجِهها المرء في فهم لغة هيجل. ويمكن العثور على جُمَل على الدرجة نفسها من صعوبة الفهم في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الواقع في ٧٥٠ صفحة.



إن شرح أعمال فيلسوف مثل هيجل في كتاب قصير يخاطب جمهورًا لا يملك معرفة مُسبَّقة بأعماله ليس بمَهمَّة سهلة. ولكي أجعل هذه المهمة أيسر قليلًا، قمتُ بأمرين؛ الأمر الأول هو أنني قيَّدت نطاق موضوع الكتاب؛ إذ لم أحاول تقديم عرض شامل لجميع أفكار هيجل؛ لذا لن يجد القارئ في هذا الكتاب أيَّ عرْض لما قاله هيجل في كتاب «محاضرات في علم الجمال»، أو كتاب «محاضرات في تاريخ الفلسفة»، أو كتاب «محاضرات في فلسفة الدين»، أو أي شيء عن كتابه «موسوعة العلوم الفلسفية»، إلا عندما تتداخل هذه الأعمال مع الأعمال الأخرى التي سأناقشها (بالنسبة للكتاب الأخير، سيكون التداخل كبيرًا؛ فبه الجزء المهم الذي يتناول فلسفة الطبيعة، والذي لم يتناوله في أيٍّ من أعماله الأخرى). إن هذه الكتب مُهمَّة بالتأكيد، لكنني أُعزِّي نفسي عندما أعتقد أن هيجل نفسه لم يكن ليعتبر تلك الكتب محورية على الإطلاق في نسقه الفلسفي. لكن الأكثر أهمية، هو عدم تقديم عرض تفصيلي لكتاب هيجل «علم المنطق» الذي أعتبره بالطبع أحد أعماله الرئيسية. لقد حاولتُ تقديم نبذة عن هدف الكتاب ومنهجه وبعض الأفكار التي جاءتْ فيه، لكن الكتاب طويل جدًّا، ولغته مجردة جدًّا، حتى إن أيَّ عرض مناسب له — من وجهة نظري — يتجاوز نطاق أي مقدمة قصيرة عن هيجل.

بيانات الكتاب

الأسم : هيجل
المؤلف :  بيتر سينجر
المترجم : محمد إبراهيم السيد
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 120 صفحة
الحجم : 36 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget