رولان بارت لــ جوناثان كولر



عندما رحل رولان بارت عن عالمنا عن عمر يناهز الخامسة والستين، كان أستاذًا في كلية كوليج دو فرانس، وهو أعلى منصب في النظام الأكاديمي الفرنسي. كان بارت قد اشتُهِر بتحليلاته الثاقبة غير المبجِّلة للثقافة الفرنسية، غير أنه تحول هو نفسه الآن إلى مؤسسة ثقافية. كانت محاضراته تجتذب
جمهورًا ضخمًا ومتنوعًا، بداية من السياح الأجانب والمعلمين المتقاعدين وحتى الأكاديميين المرموقين. وعرفت تأملاته حول جوانب الحياة اليومية طريقها إلى الصحف. أما «شذرات من خطاب في العشق»، وهو كتاب في «بلاغة» العشق، فقد أصبح أحد الكتب الأكثر بيعًا وتم تحويله إلى عمل مسرحي.

وفي خارج فرنسا، كان بارت فيما يبدو هو خليفة سارتر باعتباره المفكر الفرنسي الأبرز، وقد تُرجِمت أعماله وقُرِئت على نطاق واسع. وقد أطلق عليه واين بوث، أحد خصومه في ميدان النقد، «الرجل الذي لعله يتمتع بالتأثير الأقوى على النقد الأمريكي في يومنا هذا.» بيد أن مقروئيته تجاوزت كثيرًا نطاق زمرة نقاد الأدب.1 كان بارت شخصًا ذا مكانة دولية مرموقة؛ إذ كان «أستاذًا معاصرًا»، لكنه أستاذ في أي مجال؟ وما دواعي الاحتفاء به؟


تعود شهرة بارت، في حقيقة الأمر، إلى أسباب متناقضة، فهو بالنسبة إلى كثيرين بنيويٌّ قبل أي شيء آخر، بل لعله كان «البنيوي» المدافع عن مقاربةٍ منهجيةٍ وعلميةٍ للظواهر الثقافية. وباعتباره المناصر الأبرز للسيميوطيقا — أي علم العلامات — فقد وضع أيضًا الخطوط العريضة ﻟ «علم أدب» بنيوي.
أما بالنسبة إلى آخرين، فهو يعد رمزًا للمتعة وليس للعلم؛ متعة القراءة وحق القارئ في أن يقرأ بطريقة فريدة تخصه وحده، من أجل ما يجده فيها من متعة؛ ففي مواجهة نقد أدبي يركز على المؤلفين — يُعنى باستخلاص ما فكَّر فيه المؤلفون أو قصدوه — يقف بارت في صف القارئ ويدافع عن أدب يمنح القارئ دورًا فعالًا وخلاقًا.
علاوة على ذلك يُشتَهر بارت بدفاعه عن الطليعة، فعندما اشتكى النقاد الفرنسيون من أن روايات آلان روب-جرييه وغيره من كُتَّاب تيار «الرواية الجديدة» غير صالحة للقراءة — لكونها خليطًا من الأوصاف المشوشة يخلو من أي حبكة يمكن فهمها أو شخصيات مثيرة للاهتمام — فإن بارت لم يكتفِ بالثناء على هذه الروايات وحسب، رابطًا بذلك حظوظه بحظوظها، بل ذهب أيضًا إلى أن غايات الأدب تتحقق كاملةً على الوجه الأمثل من خلال أعمال «غير صالحة للقراءة» تتحدى توقعاتنا. ففي مقابل التوصيف «قرائي» — الذي يصف الأعمال الخاضعة للشفرات التقليدية وأنماط المعقولية — يطرح بارت التوصيف «كتابي»؛ ليصف الأعمال التجريبية التي لا نعرف بعدُ كيف نقرؤها لكن يمكننا فقط أن نكتبها، ولا بد لنا من أن نكتبها بالفعل ونحن نقرؤها.

بيانات الكتاب

الأسم : التطوُّر
المؤلف : جوناثان كولر
المترجم :سامح سمير فرج
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget