ظللنا لعدة قرون نعتبر النوم لا يعدو كونه عمليةَ توقف للنشاط، وحالةً سلبية من اللاوعي، وقد كنا مخطئين في فهمنا ذلك طيلة تلك القرون. وربما كان الإخفاق في فهم الطبيعة النشطة للنوم هو أحد الأسباب التي جعلت مجتمعَنا الصاخبَ على مدار الساعة لا يُولي النومَ الاهتمامَ الكافي. ففي أفضل الأحوال، يتقبَّل العديدون منا حقيقة أننا جميعًا في حاجة إلى النوم، أما في أسوأ الظروف فإننا نعتبر النومَ حالةً مَرَضِيَّة تحتاج إلى علاج. ولعلَّ هذا التوجُّه الذي تبنَّاه الكثيرون في مجال الأعمال والسياسة والصناعة، بل والصحة، ليس واهيًا فحسب، بل قد ينطوي على خطورة كذلك.
يمكننا أن نُدرك من خبرتنا اليومية تلك الفائدة المهولة التي تمدُّنا بها ليلةٌ من النوم، وقد دعَّم هذا الشعورَ الذاتيَّ كمٌّ كبير من الأدلة العلمية المتزايدة التي سنستعرض بعضَها في هذا الكتاب. وبعيدًا عن الشعور بالراحة والتحسُّن الذي يمنحنا إياه النوم، فإنه يساعد عقلَنا على التوصُّل لحلول مبتكرة لما نُواجِه من مشكلات يومية. ويزخر التاريخ بالقصص والمواقف التي استيقظ فيها علماء وفنانون ليقدِّموا أفضل الحلول والإسهامات بعد فترات طويلة من الإحباط. فقد تمكَّن فريدريش أوجست كيكوليه من التوصل إلى البنية الكيميائية الحلقية للبنزين بعدَ أنْ رأى في حُلْمه الصورة الشهيرة لثعبان يَعَضُّ ذيله؛ وتمكَّن أوتو لوفي من وضْع مبدأ النقل العصبي الكيميائي الذي نال عنه جائزة نوبل، وكذلك تمكَّن ديميتري مندليف من ترتيب العناصر الكيميائية في الجدول الدوري للعناصر. أما في مجال الفنون، فهناك روبرت لويس ستيفنسون الذي جاءتْه فكرة كتابة روايته الشهيرة «قضية الدكتور جيكل والسيد هايد الغريبة» بعدَ استيقاظه من النوم، وبالمثل يُقال إن صامويل تايلور كولريدج قد استلهم فكرة قصيدة «قوبلاي خان» من حلم رآه — وإن كان الحلم قد راوَدَه بعدَ تعاطِي الأفيون — مثلما حدث مع سوناتا جوزيبي تارتيني الشهيرة على الكمان والمعروفة باسم «رعشة الشيطان». كان سلفادور دالي مهووسًا بالقدرات الإبداعية للنوم، بينما تمكن ريتشارد فاجنر — ربما أكثر من أي فنان آخر — من استغلال النوم في استلهام مؤلفاته الموسيقية وليقدم له الفكرة الرئيسية لجميع أعماله الأوبرالية.
بيانات الكتاب
الأسم : النوم
المؤلف : ستيفن دبليو لوكلي
المترجم :نهى بهمن
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م
إرسال تعليق