الكواكب لــ ديفيد إيه روذري



قبل أن تحل بالعالم لعنات التلوث الضوئي والضباب الدخاني، كانت سماء الليل مألوفة أكثر للناس مما عليه الحال اليوم. وكانت الثقافات القديمة تنظر إلى الكواكب في السماء باعتبارها أشياء مميزة؛ لأنها «نجوم جوالة» تنتقل من مكان لآخر على خلفية «النجوم الثابتة». ثمة خمسة كواكب معروفة منذ القدم: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل؛ وهي الكواكب الوحيدة التي تتمتع بقدر من اللمعان يكفي لأن يلفت انتباه العين المجردة. وبطبيعة الحال، الشمس والقمر كانا بارزَين أيضًا، لكن الكواكب تبدو
على هيئة نقاط ضوئية جوالة، في حين أن الشمس والقمر يظهران على شكل قرصين، وغالبًا ما يُنظر إليهما على نحو مختلف. وخلال معظم عصور الوجود البشري، كان يُنظر إلى كوكب الأرض باعتباره مركز الخلق، والذي لا علاقة له بالأجرام التي في السماء؛ ومن ثم لم يكن يُعتقد أن الأرض أحد الكواكب.
القفزات الفكرية التي أدركت أن الأرض عبارة عن كرة من الصخر تدور حول الشمس، وأن الكواكب تفعل نفس الشيء، وأن الأرض ما هي إلا واحد من تلك الكواكب؛ كانت موجودة منذ زمن بعيد، لكن عملية ظهورها استغرقت وقتًا طويلًا، وكان هناك الكثير من المحاولات، فخلال القرن الخامس قبل الميلاد، خمَّن الفيلسوف اليوناني أناكساجوراس على نحو صحيح أن القمر جرْمٌ كروي يعكس ضوء الشمس، وقد نُفي بسبب اعتقاده هذا. وفي القرون اللاحقة، توصل علماء فلك صينيون عديدون إلى أفكار مشابهة، لكن فكرة أن القمر كروي الشكل لم تصبح — على الأرجح — حقيقة راسخة في أذهان الناس إلَّا بعد أن تم رصده عبر تليسكوب خلال القرن السابع عشر.
فيما يتعلق بالكواكب، ظل يُنظر إليها عمومًا باعتبارها نقاطًا ضوئية تدور حول كوكب الأرض، إلى أن تم التسليم بفكرةِ «مركزية الشمس» المضادة للحدس، والتي جعلت الشمس مركز الحركة. وأُولى الإشارات المكتوبة التي رجحت دوران كوكب الأرض حول الشمس ورَدتْ في نصوص هندية يرجع تاريخها إلى القرن التاسع قبل الميلاد، لكن رغم تلك الإشارات والإشارات الأخرى اللاحقة، لا سيما تلك التي وردت عن الحكماء الإغريق والمسلمين، وعن نيكولاس كوبرنيكوس في نهاية المطاف، وذلك في عام ١٥٤٣؛ لم تترسخ الفكرة تمامًا إلا بحلول القرن الثامن عشر؛ فقد وُضع جاليليو (الذي تمكَّن من خلال تليسكوبه من رؤية جبال على سطح القمر، ورصد مراحل كوكب الزهرة وأربعة أقمار صغيرة تدور حول كوكب المشتري) قيد الإقامة الجبرية من عام ١٦٣٣ حتى وافته المنية عام ١٦٤٢؛ ويرجع ذلك جزئيًّا إلى مناصرته لنظرية مركزية الشمس.
أظهر استخدام التليسكوب، من بداية القرن السابع عشر فصاعدًا، أن الكواكب تختلف اختلافًا جوهريًّا عن النجوم، بعد أن أوضح أن الكواكب عبارة عن أقراص صغيرة لكنها مميزة، في حين أن النجوم ظلت نقاطًا ضوئية، ومهَّد هذا الطريق أمام اعتبار الكواكب عوالم مشابهة لعالمنا. وبالمناسبة، نحن نعرف الآن أن النجوم أكبر بكثير من الكواكب، لكنها (باستثناء الشمس) أبعد كثيرًا جدًّا عن كوكبنا لدرجة تعجز عندها — إلَّا في استثناءات قليلة — حتى أكثر التليسكوبات الحديثة تطورًا عن إظهار أي تفاصيل عن سطحها (في الصور الفوتوغرافية، تبدو النجوم الساطعة أكبر من النجوم الخافتة، لكن هذا لا يعدو كونه خداعًا بصريًّا).



بيانات الكتاب



الأسم : الكواكب
المؤلف : ديفيد إيه روذري
المترجم :هاني فتحي سليمان
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget