Latest Post



) أين نضع الحدود؟

إذا كنت لا تزال تؤمن — بعد قراءة ما سبق — بأن حرية الكلام لا ينبغي أن تخضع أبدًا لقيود تحت أي ظروف، فتأمل مثالًا تخيليًّا طرحه الفيلسوف توماس سكانلون: ماذا تقول في مخترع كاره للبشر اكتشف طريقة سهلة لإعداد غاز أعصاب ذي فعالية عالية من
منتجات محلية يسهل العثور عليها؟ بالتأكيد في هذا الموقف سيكون من الصائب منعه من إعطاء الوصفة لأحد أو نشرها بأي طريقة أخرى، قليل جدًّا من الناس هم من قد يود الدفاع عن حقه في حرية الكلام فيما يتعلق باختراعه الخطير؛ اختراع ليس له أي فائدة واضحة للبشرية وله العديد من الأخطار المحتملة، حتى إن كان المخترع لا يقصد استخدام اختراعه بما يضر الآخرين، فسيظل من الصواب منع هذه المعلومات الخطيرة من الانتشار على نطاق واسع، فإذا كنت تؤمن بأن حرية الكلام ينبغي الدفاع عنها في كل الأحوال، فعليك إذن أن تؤمن بضرورة الدفاع عنها حتى في حالة كهذه.

إذا بدا لك مثال مخترع غاز الأعصاب خياليًّا، فإليك مثال حقيقي لكتاب بعنوان «القاتل المأجور: دليل فني للقتلة المأجورين المستقلين.» يقدم هذا الكتاب — الذي يقال إنه أدب خيالي — إرشادات مفصلة لكيفية القتل بحذر والتخلص من الجثث، نُشر هذا الكتاب عام ١٩٨٣ في الولايات المتحدة، وزادت شهرة الكتاب عندما استأجر لورنس هورن قاتلًا مأجورًا لقتل ابنه وزوجته السابقة وممرضة ابنه من أجل الحصول على أموال التأمين، اتبع القاتل حرفيًّا التعليمات الواردة بالكتاب عن كيفية جعل المسدس صعب التعقب، واستخدام كاتم صوت منزلي الصنع، وإطلاق النار من مسافة قريبة، وما إلى ذلك. حُكم على القاتل بالإعدام، وعلى هورن بالسجن مدى الحياة، ورُفعت دعوى قضائية ضد ناشري الكتاب، وأعد الناشرون دفاعًا معتمدًا على التعديل الأول، انتهت القضية أخيرًا بتسوية مالية من جانب الناشرين، واعتبر البعض أن محاولة مقاضاة ناشري هذا الكتاب هجوم على حرية الكلام، في حين اعتبرها آخرون رد فعل أخلاقي مناسبًا لمنع التداول الواسع لعمل أوحى بارتكاب جريمة قتل وقدم دليل تعليمات لها، وربما يتكرر الأمر مرة أخرى. اعتبر معظم من يرون أن الرقابة في هذه الحالة تمثل قيدًا غير مقبول على حرية الكلام — هذا الكتاب غير مسئول وخطيرًا، إلا أنهم كانوا قلقين من خطر تقييد حرية الكلام، لا سيما أن أغلب المعلومات الواردة بالكتاب كانت متاحة بالفعل على نطاق واسع في أفلام العصابات وكتب الجرائم الواقعية، إذا أمكن إثبات أن الكتاب يحرض مباشرةً على العنف، فعندها توجد أسباب واضحة لفرض الرقابة، أما إن لم يمكن ذلك، فإن هذا يبدو تعديًا على الحرية الفردية.

عندما تقول: «أؤيد حرية الكلام.» فإن العبارة تكون ناقصة المعنى نسبيًّا دون توضيح حدود هذه الحرية، ولا تعني هذه العبارة عند أغلب الناس: «أنا أؤيد حرية الكلام في كل الظروف على الإطلاق.» إلا أن تعيين هذه الحدود ليس بالأمر السهل، فهذا يعني تحديد الوقت الذي تحظى فيه قيمة مناقضة بالأولوية على هذه الحرية، في قضية سكينك، اعتبر الأمن القومي خلال فترة الحرب (بأثر رجعي) أعلى قيمة، أما في قضية كتاب القاتل المأجور، كان يوجد قلق حقيقي من أن نشر هذا الكتاب يحمل مجازفة كبيرة بوقوع عواقب وخيمة، وربما أوحى بالفعل بارتكاب جرائم قتل متعددة.

(٦) حجة المنحدر الزلق

مع ذلك ربما يجب الاعتراض على جميع القيود المفروضة على حرية الكلام تقريبًا، على أساس أن السماح للحكومة بتقييد مثل هذه الحرية الأساسية يعني التوجه نحو منحدر زلق ينتهي حتمًا بالوصول إلى الاستبدادية، ودون «وثيقة الحقوق» ربما تكون المملكة المتحدة أكثر عرضة لهذا مقارنة بالولايات المتحدة. الواقع أن عدم الثقة في الحكومات وقدرتها على الرقابة على أسس عقلانية تشكل حافزًا مهمًّا للدفاع عن مبدأ حرية الكلام، إلا أن وجود مبدأ مثل «التعديل الأول» له مشكلاته المصاحبة؛ فهو مثل أي مبدأ يتسع لمدى عريض من التفسيرات — تمامًا كما أوضح فقه قانون «التعديل الأول» — في ظل وجود نقاشات محتدمة حول تطبيق مبدأ حرية التعبير الذي تحميه هذه المادة الدستورية، وحول القيود المفروضة عليه.

تشتمل فوائد الحفاظ على حرية الكلام — وفقًا لحجة المنحدر الزلق — على الحماية من الانزلاق إلى نظام استبدادي أو على الأقل نظام شبيه به، يقترح هذا الأسلوب ضرورة حفاظنا على حرية الكلام بسبب التبعات الحميدة التي تنتج عن ذلك، غير أنه يسهل تفنيد الصور المبالغة في التبسيط لهذه الحجة، ربما تكون المنحدرات الزلقة زلقة نوعًا ما، وفي بعض الحالات يحتمل أن يتشبث أحد برأيه ويقول «هنا وكفى.» بعبارة أخرى، حقيقة اتخاذ حكومة ما قرارًا بإعطاء أهمية للأمن القومي تفوق أهمية حرية الكلام في بعض الحالات، لا تعني أن هذه الحكومة الديمقراطية ستتحول حتمًا إلى نظام استبدادي، فالمسألة هنا تجريبية وتدور حول مدى الانحدار في مثل هذه الظروف، فحقيقة أنه يمكننا الانتقال من دولة ديمقراطية مفتوحة إلى دولة استبدادية من خلال سلسلة من الأفعال الصغيرة، لا تعني بالضرورة أننا إذا اتخذنا خطوة واحدة بعيدًا عن الديمقراطية المفتوحة فسينتهي بنا الحال إلى الاستبدادية. ولصياغة الأمر بطريقة أخرى، واستكمالًا للصورة البلاغية، يمكننا القول إن هذه المنحدرات ربما تكون زلقة نوعًا ما أو حادة الانحدار أو قليلة الارتفاع، لا بد من وجود مزيد من الأدلة التجريبية لتأييد زعم الانحدار الحتمي نحو الاستبدادية، أما النقد الآخر فيتمثل في أننا بعيدون بالفعل إلى حد ما عن المجتمع الذي يكفل حرية الكلام تمامًا، ومع ذلك لا يبدو أننا نندفع في اتجاه الاستبدادية.

بالرغم من ذلك، لا تزال لحجة المنحدر الزلق ثقلها، ففي المملكة المتحدة، فُرض قانون جديد عام ٢٠٠٥ (قانون الجرائم الخطيرة المنظَّمة والشرطة) يحظر التظاهر العام على بعد مسافة كيلومتر من مبنى البرلمان، كانت مايا إيفانز من أوائل من تعرضوا للمقاضاة بموجب هذا القانون؛ حيث أدينت لإلقائها علنيًّا أسماء من قُتلوا في العراق منذ الغزو الأخير دون تصريح من الشرطة، كان يمكن لوثيقة الحقوق أن تجعل من الصعب بل حتى من المستحيل على الحكومة فرض مثل هذا التشريع، ربما يُشار منطقيًّا إلى أن مجرد تحديد منطقة إقصاء قدرها كيلومتر واحد — كما حدث — يمكن أن يتبعه بسهولة زيادة نطاقها لتصل إلى اثنين أو ثلاثة كيلومترات، أو ربما يؤدي إلى وضع قوانين مماثلة قرب أهداف محتملة للإرهاب، ففي هذه الحالة ربما لا يؤدي المنحدر الزلق بالضرورة إلى الاستبداد، لكنه قد ينزع حريات مهمة ممن يعيشون في المملكة المتحدة؛ حريات قد تعيق أو على الأقل تضعف التظاهر السياسي، في هذا النوع من الحجج تكمن القيمة الكبرى للدستور في وجود صعوبة كبيرة في تفعيل مثل هذه القوانين الإضافية وتوسيع نطاقها.



بيانات الكتاب


الأسم : حرية التعبير
المؤلف :  نايچل ووربيرتن
المترجم : زينب عاطف
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م




شاع ارتباط الوجودية بالمقاهي الباريسية في ليفت بانك و«عائلة» الفيلسوفَين: جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، التي اجتمعت هناك في الأعوام التي أعقبت مباشرة تحرير باريس في نهاية الحرب العالمية الثانية. يتصور المرء مفكرين غير تقليديين وطليعيين، لا تفارقهم السجائر، يستمعون إلى موسيقى الجاز وهم يناقشون في حرارة تبعات حريتهم السياسية والفنية المكتسبة حديثًا. يسودهم
مزاج الحماس والإبداع وتحليل الذات القلِق، والحرية … دائمًا الحرية.
على الرغم من أن هذا يعكس الصورة التي تُروِّج لها وسائل الإعلام اليوم ويجسد — بلا شك — روح العصر، فإنه يخفي الدلالة الفلسفية للفكر الوجودي، مصورًا إياه كظاهرة ثقافية مرتبطة بفترة تاريخية معينة. ربما يكون هذا هو الثمن الذي يدفعه أسلوب فكري يميل إلى النظر إلى الفلسفة نظرة مادية بدلًا من نظرة مجردة وخالدة. كانت رغبة الوجوديين في الارتباط بالعصر سببًا في التزامهم الاجتماعي والسياسي، لكنها ربطتهم أيضًا بمشكلات زمانهم، ودعت الأجيال اللاحقة إلى النظر إليهم كظاهرة عفى عليها الزمن.
هذا سوء تفسير للفكر الوجودي آمل أن أصححه في هذا الكتاب القصير. لو كانت الوجودية تحمل آثار ظهورها بعد الحرب، فإنها على الأقل — من حيث كونها أسلوبًا للتفلسف والتعامل مع الموضوعات المهمة في حياة الناس — قديمة قِدم الفلسفة نفسها، وهي معاصرة شأن الحالة الإنسانية التي تعكف على دراستها. ولكي أضمن منذ البداية عدم إغفال هذه النقطة، سأبدأ الفصل الأول بمناقشة علم الفلسفة، لا كمذهب أو نظام فكري وإنما كأسلوب حياة. وقد استوحيت عنوان الفصل الأول من دراسة الباحث الكلاسيكي بيير هادو عن عودة المذهب الرواقي كمثال يوضح كيف تستطيع الفلسفة «القديمة» أن تجعل لحياة الناس معنًى حتى في أيامنا المعاصرة. ومع أن هادو يفضل فلسفة الإغريق والرومان، فإنه يجد اهتمامًا مشابهًا في كتابات سورين كيركجارد وفريدريك نيتشه، المعروفَين ﺑ «رائدي» الحركة الوجودية في القرن التاسع عشر، ولدى خلفائهما في القرن العشرين.
من المعروف عمومًا أن الوجودية فلسفة تدور حول الفرد بكيانه المادي الملموس. وهذه نقطة قوتها ونقطة ضعفها في الآن ذاته. ففي عصر وسائل الإعلام الجماهيرية والدمار الشامل، يُحسَب للوجودية دفاعها عن القيمة الأصيلة لمن يسميه مناصرها الرئيسي سارتر «الفرد الطبيعي الحر»، أي الفرد الفاعل المكون من لحم ودم. ونظرًا إلى الانجذاب الذي يكاد لا يقاوم نحو الانصياع للعادات في مجتمعنا الحديث، فإن ما سنسميه «فردية وجودية» يعد إنجازًا، لكن ليس دائمًا. فنحن نولد مخلوقات بيولوجية، لكننا يجب أن نصبح أفرادًا وجوديين عن طريق تحمل مسئولية أفعالنا. هذا تطبيق لنصيحة نيتشه بأن «تتصرف على طبيعتك التي جُبلت عليها». لا يعترف كثير من الناس بهذه المسئولية وإنما يتهربون من فرديتهم الوجودية إلى أمان الزحام المفتقر إلى الهوية. وكدرس عملي للتحول إلى الفردية، سأتناول في الفصل الثاني ما يسميه كيركجارد «دوائر» الوجود أو «خطوات على طريق الحياة»، وسأختم ببعض الملاحظات حول كيف كان نيتشه سينظر إلى مشروع التحول إلى الفردية الوجودية هذا.
بعد انتهاء الحرب بقليل، ألقى سارتر محاضرة عامة بعنوان «هل الوجودية فلسفة إنسانية؟» هزت الحياة الثقافية في باريس وكانت بمنزلة بيان رسمي بإطلاق الحركة الوجودية. منذ ذلك الحين، ارتبطت الوجودية بنوع معين من الفلسفة الإنسانية التي تولي الإنسان والقيم الإنسانية مكانة مرموقة، وارتبطت بانتقاد صور بديلة من الفلسفة الإنسانية المقبولة وقتذاك. في الفصل الثالث أناقش آثار هذه المحاضرة المعقدة، وهي الوحيدة التي ندم سارتر على نشرها، علاوة على «رد» معاصره مارتن هايدجر في مقاله الشهير «رسالة في النزعة الإنسانية».
ومع أنه قد شاع أن القيمة الأسمى للفكر الوجودي هي الحرية، فإن فضيلته التي تحتل الصدارة هي الصدق. يُخصص الفصل الرابع للحديث عن هذا الموضوع بالإضافة إلى طبيعة وصور خداع الذات، التي تمثل نقيضًا له. وقد ربطتُ بين الصدق والفردية الوجودية، وفكرت في احتمالية وجود خُلُق صدق قائم على المسئولية الوجودية.
ولكي أواجه النقد، الذي انتشر عقب الحرب مباشرة، بأن الوجودية ليست إلا صورة أخرى من الفردية البرجوازية المُجرَّدة من الوعي الجمعي وغير المبالية بالحاجة إلى تناول المشكلات الأخلاقية للعصر، خصصت الفصل الخامس للحديث عن مشكلة «الفردية المكبوتة»، حسبما يحاول الوجوديون تصور التضامن الاجتماعي بأسلوب سيعزز حرية ومسئولية الفرد بدلًا من أن يهددهما، وهو ما يبقى أمرًا غير قابل للتفاوض.
أما في الفصل الأخير، فإنني أتناول الجوانب السابقة وغيرها التي يتسم بها الفكر الوجودي للتدبر في ارتباط الفلسفة الوجودية المستمر بعصرنا. من الضروري أن نفصل بين الدلالة الفلسفية للحركة ورؤاها القوية واهتمامها بالملموس، وبين الزخارف الجذابة والبالية في الوقت نفسه التي اتسمت بها في سنوات مراهقتها في ليفت بانك. ومن بين عدة موضوعات مرشحة محتملة اخترت أربعة موضوعات مهمة في عصرنا كان للوجوديين فيها إضافة فلسفية.
ثمة سمتان لهذا الكتاب المختصر قد يعتبرهما القارئ من أوجه القصور، حتى في مقدمة قصيرة، وهما: غياب عدد كبير من «الوجوديين» المعروفين، وعلى النقيض من ذلك، الحضور — المفرط أحيانًا — لجان بول سارتر على مدار صفحات الكتاب. فيما يتعلق بالسمة الأولى، فعلى الرغم من أنه كان بمقدوري أن أذكر — على سبيل المثال — ديستويفسكي أو كافكا، أو جياكوميتي أو بيكاسو، أو يونسكو أو بيكيت، وكلهم نماذج قوية للموضوعات الوجودية في الفن، فقد انصب اهتمامي على التعامل مع الوجودية كحركة فلسفية ذات آثار فنية بدلًا من اعتبارها (مجرد) حركة أدبية ذات ادعاءات فلسفية، وهو المفهوم الشائع مع خطئه. السبب وراء عدم مناقشتي بوبير أو بيرديف، أو أورتيجا إي جاسيت أو أونامونو، وغيرهم الكثير من الفلاسفة الذين يستحقون الذكر هنا، هو أن هذا الكتاب ما هو سوى مقدمة قصيرة «جدًّا». وسيجد المهتمون بقراءة المزيد عن الموضوعات التي نوقشت هنا اقتراحات بمصادر مفيدة في نهاية الكتاب.



بيانات الكتاب


الأسم : الوجودية
المؤلف :  توماس آر فلين
المترجم : مروة عبد السلام
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م



ما القيادة؟ حسنًا، بالرغم مما يقرب من ثلاثة آلاف عام من التأمل وما يزيد على القرن من البحث «الأكاديمي» في القيادة، فيبدو أننا لم نقترب من اتفاق على المعنى الأساسي لها، فضلًا عن إمكانية تعلمها أو قياس تأثيراتها أو التنبؤ بها. ولا يمكن أن يرجع ذلك إلى قلة الاهتمام بهذا الموضوع أو قلة المواد المتعلقة به؛ فحتى ٢٩ أكتوبر ٢٠٠٣، كان هناك ١٤١٣٩ كتابًا تتناول موضوع «القيادة»
معروضة للبيع على موقع «أمازون دوت كوم دوت يو كيه» الإلكتروني. وفي غضون ست سنوات فقط من ذلك التاريخ، تضاعف هذا العدد أربع مرات ليصل إلى ٥٣١٢١ كتابًا، وهناك دليل واضح على أنه خلال فترة قليلة من الزمن سيفوق عدد الكتب التي تتناول القيادة عدد من يقرءون هذه الكتب. وسنلتمس لك العذر إذا ما اعتقدت أن الزيادة في المعلومات تقود إلى فهم أفضل. فمع الأسف، يبدو أننا نتسبب في إضفاء تباين أكبر بكثير على مفاهيمنا حول تعريف القيادة، وكذلك أننا أبعد من «الحقيقة» المتعلقة بهذا التعريف عما كنا عليه قبل الشروع في نشر هذه الأفكار الكثيرة. ويمثل الشكل ١-١ في الحقيقة رحلتي الخاصة في الكتابات المنشورة عن القيادة؛ فعندما بدأت أقرأ في الكتابات المنشورة عن القيادة عام ١٩٨٦ تقريبًا، كنت قد شغلت بالفعل عدة مواقع قيادية؛ لذا ففي تلك المرحلة كنت قد قرأت القليل، ولكني استقيت كل ما فهمته عن القيادة من جامعة الحياة. بعد ذلك، وبينما كنت أواصل قراءة المزيد، أدركت أن كل ما أعرفه من «حقائق» سابقة كان مبنيًّا على أسس غامضة، لذا قَلَّ فهمي مع زيادة معرفتي. وكان عام ٢٠٠٦ صعبًا: فقد قرأت مئات — إن لم يكن آلافًا — من الكتب والمقالات، وخلصت إلى أن سقراط كان محقًّا عندما قال إن الحكمة لا تأتي إلا عندما تكتشف مقدار جهلك. وأعتقد أنني الآن على طريق التعافي، وقد تجاوزت بداية هذا الطريق بالاستنتاج الآتي: «جوهر» القيادة في أبسط صوره — مثل قائد فرد — يهمل الأتباع، ودون أتباع لا يمكن أن تكون قائدًا. والحق أن ذلك يمكن أن يكون أبسط تعريف للقيادة وهو: «أن يكون لديك أتباع.»
إذن، كيف سنتناول هذا الموضوع؟ إن أهمية تعريف القيادة لا تكمن ببساطة في وضع منظومة مصطلحات لها، إلى جانب أن الأمر ليس لعبة من ألعاب السفسطة؛ والحقيقة أننا لسنا بحاجة فعلًا إلى أن نتفق على تعريف (على الرغم من أن المؤسسات ينبغي على الأرجح أن تتفق على تعريف)، ولكن ينبغي علينا على الأقل أن نتمكن من فهم موقع كل منا بالنسبة للآخر، بحيث يستطيع كل منا إدراك وفهم الحجج التي يسوقها الآخر. وبادئ ذي بدء، فإن الكيفية التي نعرف بها القيادة لها دلالات حيوية على الكيفية التي تعمل — أو لا تعمل — بها المؤسسات، وعلى تحديد من نكافئ ومن نعاقب. قبل حوالي ٥٠ عامًا، وصف دابليو بي جالي القوة بأنها «مفهوم خلافي في الأساس»؛ فجالي يرى أن هناك الكثير من المفاهيم — مثل القوة — تدور «بين مستخدميها نزاعات واختلافات لا تحصى حول الاستخدام الصحيح لها»، حتى إن هذه الاختلافات صار من المتعذر حلها. فمثلًا، من الوارد أن تؤدي مناقشة هل كان بوش — أو بلير — قائدًا «جيدًا» إلى سخونة في النقاش بدلًا من بصيص أمل غالٍ في التوصل إلى اتفاق بين أطراف النقاش، الذين يقدمون تعريفات مختلفة لمفهوم القيادة «الجيدة».
لذلك، لسنا بحاجة إلى الاتفاق على التعريف، ولكننا بحاجة إلى أن نعرف ماهية التعريفات. وربما نبدأ بالنظر فيما تقوله أشهر الكتب في المسألة. فالعديد من هذه الكتب يدور حول سير ذاتية أو سير أشخاص؛ فهي تربط القيادة «بالشخص» الذي يُنْظَرُ إليه على أنه القائد. ويعرِّف آخرون القيادة بأنها عملية؛ ربما يقصد بها الأسلوب الذي يتبناه القادة، أو عملية «تشكيل معنى» («عملية تشكيل معنى للمعلومات غير المفهومة والمتناقضة.» وفقًا لما قاله ويك)، أو لعلها ممارسات القادة. ويعرِّف البعض القيادة بأنها مجرد التفكير فيما يفعله من لديهم السلطة، وذلك هو المنهج الوظيفي. يكون التعريف غالبًا قريبًا من تعريف القوة المشتق من الفكرة الأصلية لويبر ودال عن القوة (ومن ثم القيادة) بأنها القدرة على جعل شخص ما يفعل شيئًا لم يكن ليفعله في ظروف أخرى. ويميل هذا المنهج إلى قصر فكرة القيادة على تحريك جماعة أو مجتمع لتحقيق غرض ما، وهذا هو منهج النتائج. وسوف نعود إلى بعض هذه المناهج، ولكن بعيدًا عن السمات المتنوعة لهذه التعريفات؛ فقد زادت — ولم تقلِّلْ — من تشوشنا. يبدو أن القيادة لها الكثير من التعريفات المختلفة إذن، وعلى الرغم من وجود بعض أوجه التشابه بين هذه التعريفات، فإن التعقيدات تقوض أغلب المحاولات لتفسير السبب في وجود الاختلافات. ومع ذلك فإن التباينات تبدو وكأنها تدور حول أربعة مجالات مختلف عليها؛ تتمثل في تعريف القيادة بأنها «موقع وظيفي» أو «شخص» أو «نتيجة» أو «عملية».
لا يشمل هذا التصنيف الرباعي جوانب القيادة كافة، ولكن من المفترض أنه يشمل جزءًا كبيرًا من تعريفاتنا للقيادة. والأكثر من ذلك أن هذا النمط ليس تصنيفًا هرميًّا؛ أي إنه لا يعطي لأحد التعريفات أهمية أكبر من التعريفات الأخرى، بل إنه — على العكس من المنهج التوافقي — يستند فيه كل تعريف على أسس ربما تكون متعارضة. ففي واقع الأمر، ربما نضطر إلى أن نحدد شكل القيادة الذي نتحدث عنه بدلًا من أن نحاول أن نزيل الاختلافات. إلا أنه من الممكن أن تتضمن هذه النماذج التجريبية للقيادة عناصر مشتركة بين أشكال القيادة الأربعة. ومن ثم، يصبح أمامنا أربعة بدائل



بيانات الكتاب


الأسم : القيادة
المؤلف :  كيث جرينت
المترجم : حسين التلاوي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م




هذه المقدمة للأفلام الوثائقية موجهة لمحبي مشاهدة هذه النوعية من الأفلام الراغبين في معرفة المزيد عن هذا الشكل الفني، ولمن يودون صنع أفلام وثائقية ويرغبون في معرفة المزيد عن هذا المجال وآفاقه، وأيضًا للطلاب والمعلمين الذين يأملون في تعلم المزيد وإخبار الآخرين بما تعلموه.
هذا الكتاب منظم بحيث يقدم نظرة عامة على القضايا الأساسية، ثم ينتقل لمناقشة الأنواع الفرعية المختلفة. فقد أردت على وجه الخصوص أن أستخدم أنواعًا تستطيع مواجهة المخاوف المتعلقة بالموضوعية والمحاباة والتحيز، هذه الأشياء التي طالما أحاطت بالأفلام الوثائقية، ولكن بقوة متجددة منذ الشعبية الطاغية التي حظي بها فيلم «فهرنهايت ٩ / ١١». وقد كان بمقدوري أن أختار أو أضيف أنواعًا أخرى بسهولة، مثل الموسيقى، والرياضة، والعمل، واليوميات، والطعام، لكن جاء اختياري للأنواع التي استخدمتها هنا لأنها أنواع شائعة في سوق الأفلام الوثائقية، ولأنها تطرح قضايا مهمة عن الحقيقة وتجسيد الواقع.
يتيح لك هذا التنظيم الموضوعي الدخول إلى الموضوع بسهولة من خلال نوعية الأفلام التي جذبتك إليها منذ البداية، ويتيح لي الربط بين الحقب التاريخية وإظهار الطبيعة المتطورة للخلافات الأساسية في مجال الأفلام الوثائقية. وربما يلاحظ هؤلاء الذين يفضلون تسلسلًا زمنيًّا أكثر وضوحًا أن كل فصل من الفصول التي تتناول الأنواع الفرعية منظم زمنيًّا (باستثناء فصل الدعاية الذي يركز إلى حد بعيد على فترة الحرب العالمية الثانية). لذا، بعد قراءة الفصول الأربعة الأولى التي تتناول القضايا الأساسية والتاريخ المبكر للأفلام الوثائقية، يمكن للقارئ أن يطالع الأجزاء الأولى من الفصول التي تتناول الأنواع الفرعية المتعددة، ثم العودة للجزء التالي من كل فصل من الفصول.
وحيث إن مادة الكتاب ليست مستقاة من المعرفة العلمية فحسب، ولكن من خبرتي كناقدة أفلام على مدى أربعة عقود، فإنها تعكس اهتماماتي ومواطن القصور لدي. والجزء الأكبر من المعرفة العلمية التي أشير إليها مكتوب باللغة الإنجليزية، وأنا متحيزة للأفلام الوثائقية الطويلة وأعمال صناع الأفلام المستقلين.
نبع انجذابي للأفلام الوثائقية في الأساس من وعدٍ جذب الكثير من صناع الأفلام لذلك الشكل الفني؛ ذلك الوعد الذي وصفه المحرر والناقد البارز داي فون، في مقالة عن التهديد الذي تمثله المعالجة الرقمية للفيلم الوثائقي، بأنه «الإحساس الداخلي بأنه لو أتيح للناس أن يشاهدوا بحرية، لشاهدوا بإخلاص، ناظرين إلى عالمهم بأنه قابل للتدقيق والتقييم، وأنه على القدر نفسه من المطاوعة والمرونة التي يتسم بها الفيلم». وقد وجدت الإلهام في أعمال المخرجين أمثال ليز بلانك، وهنري هامبتون، وبيريو هونكاسالو، وباربرا كوبل، وكيم لونجينوتو، ومارسيل أوفيلس، وجوردون كوين، وأجنس فاردا.
وإنني ممتنة لإلدا روتور بأكسفورد يونيفرسيتي برس التي اقترحت عليَّ فكرة تأليف هذا الكتاب، وسيبيل توم التي حملت على عاتقها مهمة تحرير الكتاب قبل مغادرتها، والمحررة ماري ساذرلاند. لقد أغدق عليَّ كثير من زملائي، في برامج الدراسات السينمائية والسينما والاتصالات والأدب، بالرؤى التي أحاول الكشف عنها في هذا الكتاب. لذا أتقدم بخالص التقدير للدعم الذي حظيت به من العاملين بمكتبة الجامعة الأمريكية، خاصة كريس لويس. وأدين بالفضل لرون ساتون، مستشاري وناصحي بالجامعة الأمريكية، وكذلك لدين لاري كيركمان بكلية الاتصالات بالجامعة الأمريكية، الذي منحني شرفًا لا يقدر بثمن بتقديمي لإريك بارنو، وأيضًا باربرا أبراش التي فتحت أبوابًا عديدة للأفكار والفرص. كذلك، كان لمشروعاتي مع مجلس المؤسسات (خاصة مع إيفلين جيبسون)، ومؤسسة فورد (خاصة مع أورلاندو باجويل) أثرها في تعميق معرفتي بالمجال. وإنني ممتنة كذلك لجوردون كوين، ونينا سيفي، وستيفان شوارتزمان، وجورج ستوني، ولمراجعين لا أعرف أسماءهم لتعليقاتهم خلال مرحلة إخراج النسخة النهائية من الكتاب.

بيانات الكتاب


الأسم : الفيلم الوثائقي
المؤلف :  باتريشيا أوفدرهايدي
المترجم : شيماء طه الريدي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م




هذا الكتاب مقدمة عن الفيروسات وُضعت لعموم القراء. يتناول الفصلان الأول والثاني تركيب الفيروسات وأنواعها وأماكن معيشتها وأسلوب حياتها والآثار التي تحدثها، بدءًا من آثارها في الفرد المصاب بالعدوى وصولًا إلى آثارها في الكوكب بأسره. يستعرض الكتاب بعد ذلك المعركة المتواصلة بين الفيروسات وجهاز المناعة لدى الفرد المصاب بالعدوى، يلي ذلك مجموعة من الفصول التي
تتناول العدوى بفئات معينة من الفيروسات، سواء أكانت حديثة الظهور، أم وبائية، أم جائحة، أم الكامنة داخل الجسم طيلة العمر، والتي قد يتسبب بعضها في إحداث أورام. وتبحث الفصول التالية بعد ذلك في مسألة كيف تطورت معرفتنا بالفيروسات عبر العصور، وكيف زادت الثورة الجزيئية الحديثة من قدرتنا على عزل فيروسات جديدة وتشخيص حالات العدوى الفيروسية وعلاجها. ويأتي الفصل الأخير من الكتاب كي يلقي نظرة تاريخية على النمط المتغير لحالات العدوى الفيروسية عبر العصور المختلفة، ويتكهن بالكيفية التي ربما يتفاعل من خلالها البشر مع الفيروسات في المستقبل.
تجنبت المؤلفة قدر استطاعتها استعمال المصطلحات المتخصصة والفنية في النص، ولكن كلما كان ذكر تلك المصطلحات أمرًا لا مفر منه، شرحت معناها في مسرد للمصطلحات. ويشمل هذا أيضًا أسباب تسمية الفيروسات بأسمائها الواردة. علاوة على ذلك، وردت في نهاية الكتاب قائمة بالمراجع والكتب المقترح مطالعتها لمزيد من المعرفة.

تطورت الميكروبات البدائية على كوكب الأرض منذ ما يقرب من ثلاثة مليارات عام، غير أن الإنسان لم يتمكن من عزلها إلا في أواخر القرن التاسع عشر، قبل أن يكتب هيلاير بيلوك قصيدة «الميكروب» بما يقرب من عشرين عامًا. ومع أن تلك القصيدة كتبت كنوع من الترفيه عن الناس، فإنها تعكس نزعة الشك التي سادت تلك الأزمنة. ولا بد أن الأمر استدعى وثبة إيمانية هائلة من الناس حتى يتقبلوا فكرة وجود كائنات حية دقيقة الحجم وكونها هي المسئولة عن الأمراض التي كانت حتى ذلك الحين تعزى إلى أسباب متنوعة مثل إرادة الآلهة، أو اصطفاف الكواكب على خط واحد، أو الأبخرة الوبائية المتصاعدة من المستنقعات والمواد العضوية المتحللة. وبالطبع، لم يتكون هذا الإدراك الجديد بين عشية وضحاها، لكن مع التعرف على المزيد والمزيد من أنواع البكتيريا المختلفة، ترسخت «النظرية الجرثومية»، ومع بدايات القرن العشرين صار مقبولًا على نطاق واسع حتى في الدوائر غير العلمية أن الميكروبات بإمكانها أن تسبب الأمراض.
كانت التطورات التقنية التي تحققت في صناعة الميكروسكوبات على يد صانع العدسات الهولندي أنتوني فان ليوفنهويك (١٦٣٢–١٧٢٣) في القرن السادس عشر من الأهمية بمكان لهذه الوثبة. كان هو أول من شاهد الميكروبات، غير أن الأمر مع ذلك احتاج إلى الانتظار حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما أجرى كل من لوي باستير (١٨٢٢–١٨٩٥) في باريس وروبرت كوخ (١٨٤٣–١٩١٠) في برلين أبحاثهما، التي شكلت فتوحات علمية كبرى وأكدت أن «الجراثيم» هي سبب الأمراض المعدية؛ ما أكسبهما عن جدارة لقب «الأبوين المؤسسين لعلم الميكروبيولوجيا (علم الأحياء الدقيقة)». كان باستير صاحب إسهام رئيسي في محو الاعتقاد الذي كان سائدًا في أذهان العامة وهو حدوث «تولد تلقائي»؛ بمعنى، تولُّد حياة من مادة غير عضوية. في ذلك الوقت، كان نمو الفطريات فوق أسطح الطعام والشراب المختزن يمثل مشكلة ذات أهمية خاصة. وقد شرح باستير أن بالإمكان منع هذا الأمر في حالة المرق بأن يُغلى أولًا، ثم يوضع بعد ذلك في غرفة مزودة بمرشحات تحجز خلفها أي مادة مكونة من جسيمات آتية مع الهواء. وأظهر هذا وجود «جراثيم» مجهرية الحجم يحملها الهواء. وعام ١٨٧٦، عزل كوخ أول فصيل بكتيري، «الجمرة العصوية»، وسرعان ما ابتكر وسائل لزراعة الميكروبات في المختبر.
وبدأت الأمراض التي كانت تصنع الرعب، كالجمرة الخبيثة والدرن والكوليرا والدفتيريا، تكشف عن أسرارها واحدًا تلو الآخر عندما حُددت الميكروبات المسببة لها واكتُشفت صفاتها. وصار من الواضح أن للبكتيريا تركيبًا مماثلًا لتركيب خلايا الثدييات، فمعظمها له جدار خلوي يحيط بسيتوبلازم يحوي بداخله جزيئًا واحدًا دائري الشكل ملتف حول نفسه من الحمض النووي. تعيش الغالبية العظمى من البكتيريا حرة، ما معناه أن في استطاعتها تصنيع جميع البروتينات التي تحتاجها بنفسها، وأن تمارس الأيض وأن تنقسم دون مساعدة من كائنات أخرى.

بيانات الكتاب


الأسم : الفيروسات
المؤلف :  دوروثي إتش كروفورد
المترجم : أسامة فاروق حسن
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م





إن مفهوم العلاقات الدولية مفهوم فضفاض للغاية، فهو في استخدامه الحديث لا يشمل العلاقات بين الدول فحسب، بل يشمل أيضًا العلاقات القائمة بين الدول والمنظمات من غير الدول؛ مثل الكنائس ومنظمات الإغاثة الإنسانية والشركات متعددة الجنسيات، والعلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الحكومية الدولية؛ كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسوف أستخدم في هذه المقدمة
القصيرة جدًّا هذا المفهوم الفضفاض لمادة العلاقات الدولية.

تُدَرَّس مادة العلاقات الدولية في جامعات عديدة، مقترنة في كثير من الأحيان بمنهج العلوم السياسية، أو متضمَّنَة فيه. إلا أنني أرى أن محاولة علماء السياسة أن يفرضوا نوعًا من أنواع الاحتكار على مادة العلاقات الدولية هو أمر غير قابل للتطبيق ولا الاستمرار؛ فالدارس الجاد للعلاقات الدولية يجب أن يتحلى ببعض المعرفة بالتاريخ والقانون والاقتصاد الدوليين، إضافةً إلى السياسة الخارجية والسياسة الدولية.

وقد كانت تلك الطبيعة المركَّبة ومتعددة التخصصات لمادة العلاقات الدولية هي التي جعلت من البحث عن نظرية عامة فعالة للعلاقات الدولية «مهمة مستحيلة». ولا يعني هذا أنه لا توجد نظريات جزئية أو محدودة قيِّمة يمكن تطبيقها على جوانب بعينها من تلك المادة (على سبيل المثال: ثمة مجموعة من النظريات المفيدة في مجالات التنمية الدولية، والحد من الأسلحة، والدورات التجارية، وسباقات التسلُّح)، بيْد أنَّ مدراس الفكر الرئيسية التي توضع على أساسها نظرية عامة في مجال العلاقات الدولية لم تثبُت بأي شكل علمي، بل إنها تمثِّل طرقًا لفهم العلاقات الدولية، أو صورًا تشبيهية أو نماذج تَلقى قبول المقتنعين بها؛ لأن تلك هي الطريقة التي يفضلون رؤية العالم بها. ويمكن القول إنَّه إذا ساد نهج بعينه من نُهُج تفسير العلاقات الدولية بالقدر الكافي، فقد يصبح مُرضيًا في حد ذاته. وأحد الأمثلة الجيدة على ذلك هي النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، التي يمكن القول إنها ما زالت أكثر المدارس الفكرية تأثيرًا في مجال العلاقات الدولية على طرفي المحيط الأطلنطي.

(٢) النظرية الواقعية

إن الرائدَين الفعليَّين للمدرسة الواقعية الحديثة في العلاقات الدولية هما نيكولو مكيافيللي — مؤلف كتاب «الأمير» (١٥٣٢) — وتوماس هوبز — مؤلف كتاب «اللوياثان» (١٦٥١) — إذ افترض كِلا هذين الفيلسوفين السياسيين أن البشر تدفعهم بالأساس مصالحهم الذاتية وشهواتهم، وأن أكثر تلك الشهوات تفشيًا وانطواءً على خطورة محتملة هي شهوة السلطة. ورأَيا أن حاكم الدولة هو الضامن الحقيقي والوحيد للسلام الداخلي؛ لأنه وحده يتمتع بسلطة فرض ذلك السلام. بيد أنَّه في عالم السياسة الدولية الأشمل تسود شريعة الغاب.

وقد رأيا أن السياسة الدولية هي صراع مستمر على السلطة، لا تترتب عليه لزامًا حروب علنية متواصلة، ولكنه دائمًا ما يستلزم التأهب لخوض الحرب. وفي خِضَم حالة الفوضى السياسية المستمرة هذه، يكون المسار الحصيف الوحيد أمام الأمير هو شحذ أكبر قدر ممكن من القوة، وإعمالها في حماية المصلحة الوطنية لبلاده والسعي وراءها. ولهذا الغرض كانت القوة العسكرية هي المطلب الأهم، واعتُبِرت الثروة المتكونة عن التجارة والصناعة وسيلةً في المقام الأول لاكتساب القوة العسكرية اللازمة.



بيانات الكتاب


الأسم : العلاقات الدولية
المؤلف :  بول ويلكينسون
المترجم : لبنى عماد تركي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م




السرطان مرض شائع، بل هو شديد الشيوع. في عام ٢٠٠٨، شُخِّص المرض لدى ما يقرب من ١٢٫٧ مليون نسمة، توفي منهم ٧٫٩ ملايين شخص، فشكّلوا ما يقرب من ١٣٪ من إجمالي الوفيات في ذلك العام. وبالرغم من الاعتقاد أن السرطان مرض يصيب كبار السن في البلدان صاحبة الاقتصاد الأكثر ثراءً، فإن حوالي ٧٠٪ من تلك الوفيات وقعت في البلدان ذات الدخول المنخفضة أو المتوسطة. ويصيب السرطان كلا الجنسين وجميع الأعراق، الغنية منها والفقيرة على السواء. يخشى الناس من تشخيص المرض، إذ
يعتبره المصابون به (وكثيرًا ما يكون هذا الافتراض صائبًا) حكمًا بالإعدام. والمرض ذاته وعلاجه من الأسباب الكبرى للألم والاكتئاب. فعلاج السرطان عبء هائل على أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، ويعد المرض من الأسباب الرئيسية لفقدان القدرة الإنتاجية في القوى العاملة نتيجة للوفاة المبكرة. وسوف نلقي في هذا الفصل نظرة عامة على مشكلة السرطان، مع التركيز على بعض أنواع السرطان الأكثر شيوعًا حتى نوضح للقارئ حجم التباين في أعداد المصابين به في أنحاء العالم. وأي مرض يصيب هذا العدد الهائل من الأفراد ستكون له علاوة على ذلك آثار اقتصادية خطيرة، لهذا سنسلط في هذا الفصل أيضًا الضوء على بعض الأساليب التي تتفاعل من خلالها الخدمات الصحية مع الاقتصاد، وهي نقاط سوف نعرضها بمزيد من التفصيل في فصول لاحقة. وتلقي دراسة أنماط معدلات الإصابة بالسرطان ضوءًا مثيرًا للغاية على أسباب مرض السرطان (التي يتناولها الفصل الثاني بالتفصيل). أيضًا سوف نلقي الضوء على بعض الروابط الأكثر إثارة للدهشة في هذا الفصل.
تشكل رعاية مرضى السرطان والأبحاث التي تجرى عليه أيضًا عناصر مهمة في النشاط الصناعي. فنصف إجمالي العقاقير التي تستخدم في التجارب السريرية خاصة بالسرطان، وقد قُدِّرت السوق العالمية لجميع أدوية السرطان بقيمة ٤٨ مليار دولار عام ٢٠٠٨ بعد أن كانت ٣٤٫٦ مليارًا عام ٢٠٠٦. ويتوقع المحللون أن يتجاوز حجم النمو نسبة ١٠٪ سنويًّا في الفترة من عام ٢٠١٠ إلى ٢٠١٥. وفي كل عام تنفق الصناعة الدوائية ما بين ٦٫٥ إلى ٨ مليارات دولار على أبحاث أدوية السرطان وتطويرها. ويجعل هذا المبلغ ما تنفقه الحكومات والجهات البحثية الخيرية على تطوير الأدوية هزيلًا، ما قد يعني أن الأدوية الجديدة تتركز في المجالات التي تحقق أعلى تأثير تجاري، لا على تلك التي تؤثر في الصحة العامة. وتعد شركات الدواء صاحبة عقاقير السرطان الناجحة من كبرى المؤسسات التجارية على مستوى العالم. أما شركات التكنولوجيا الحيوية التي لا تمتلك منتجات رائجة، لكنها تعمل على نحو واعد للوصول إلى عقار للسرطان، فيمكن أن تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لا لشيء إلا لاحتمال أن يُرخَّص هذا العقار في أي وقت لاحق كعلاج للسرطان. وهناك ما لا يقل عن ١٩ عقارًا مضادًّا للسرطان تجاوزت مبيعات كل واحد منها مليار دولار عام ٢٠٠٩، وهو رقم يشكل عبئًا جسيمًا على الأنظمة الصحية حتى في أكثر بلدان العالم ثراءً التي تتحمل عبء شراء تلك الأدوية لمرضاها.
على الجانب الآخر، فإن قدرة ما يقرب من ثلث عدد مرضى السرطان على الوصول إلى علاج فعال محدودة للغاية، وترتفع هذه النسبة في أفقر بلدان العالم إلى أكثر من نصف المرضى. وبمضينا قدمًا على هذا المنوال، ربما يصل بنا الحال — مع تزايد عدد كبار السن وارتفاع أسعار الأدوية — إلى وقت لا يتاح فيه العلاج الدوائي «الأكثر تطورًا» إلا للشريحة الأكثر ثراءً في أكثر النظم الاقتصادية ثراءً. بدلًا من ذلك، ربما يتيح تنبؤ أفضل بالاستجابة للعلاج خيارات علاجية موجهة لكل فرد على حدة، مما يقلل التكاليف الناتجة عن العلاج غير الضروري أو غير الفعال. فعلى عكس السيارات أو أجهزة الكمبيوتر مثلًا، التي نتوقع منها أن تؤدي عملها في كل مرة نستخدمها فيها، لا تنجح معظم أدوية السرطان إلا مع نسبة من المرضى. أما مرضى المراحل المتقدمة، الذين يكون الهدف من العلاج معهم تخفيف أعراض المرض أو تحسين جودة حياتهم، فربما تقل هذه النسبة كثيرًا عن ٥٠٪، ومن ثم فإن غالبية العلاجات قد تكون بلا فائدة، أو ما هو أكثر من ذلك في الواقع؛ إذ إنها قد تتسبب في آثار جانبية دون أن تحقق أي منفعة. لذا، فإن القدرة على تحديد المرضى الذين يحتمل أن يستفيدوا من العلاج قبل تقديمه لهم أمر بالغ الجدوى من ناحية التكلفة ومن الناحية العلاجية، ولهذا صار هذا الأمر موضع اهتمام رئيسي لأبحاث السرطان التي تجري حاليًّا (انظر الفصلين الرابع والخامس).
علاوة على ذلك، استحوذ السرطان على اهتمام جامعات العالم وأوساطه الأكاديمية. ففي عام ١٩٦١، تعهد جون كنيدي بإرسال إنسان إلى القمر بحلول نهاية ذلك العقد. وبعدها بتسع سنوات، سار نيل أرمسترونج وباز ألدرين فوق سطح القمر. وبعدها بعشر سنوات، في عام ١٩٧١، أطلق نيكسون تعهدًا مماثلًا بإعلانه «الحرب» على السرطان. وفيما يشبه كثيرًا «الحرب على الإرهاب» التي أُعلِنت حديثًا، فإن إعلان الحرب على مشكلة عالمية متعددة الأوجه لم يحقق سوى نجاح جزئي على أفضل تقدير. فتعهد نيكسون المبدئي كان بمبلغ يقترب من ١٠٠ مليون دولار، وكان هذا الرقم يبدو أشبه بثروة طائلة في ذلك الوقت، غير أنه تبين فيما بعد أنه بالكاد يعالج الأمر سطحيًّا فقط. ومنذ عام ١٩٧١، كان هناك المزيد من مليارات الدولارات التي أنفقت على الأبحاث، لكن بعد أكثر من ثلاثين عامًا، لا يزال السرطان واحدًا من أهم أسباب الوفاة في أنحاء العالم، إذ يصاب به حوالي شخص من بين كل ٣ أشخاص في البلدان المتقدمة، ويتوفى بسببه في البلدان الغربية واحد من كل خمسة أشخاص. من الواضح أن مداواة السرطان أصعب من «علم الصواريخ».
تنفق الدول بجميع أنحاء العالم مبالغ طائلة على أبحاث تدور حول أسباب السرطان وعلاجه. ففي عامي ٢٠٠٩ / ٢٠١٠، أنفق المعهد الأمريكي القومي للسرطان ٤٫٧ مليارات دولار على أبحاث السرطان، وكان المبلغ المناظر الذي أنفقته أوروبا حوالي ١٫٤ مليار يورو. وفي المملكة المتحدة، يعد أكبر منفق في هذا المجال «مؤسسة أبحاث السرطان بالمملكة المتحدة»، وهي واحدة من كبرى المؤسسات البريطانية الخيرية، التي حققت في عام ٢٠١٠ دخلًا سنويًّا من التبرعات يزيد عن ٥٠٠ مليون جنيه استرليني، مما يعكس الأهمية التي تُمنَح لمسألة البحث عن أسباب السرطان والعلاجات الناجعة له بين قطاع أكبر من السكان (غير أن المتلقي الأساسي للتبرعات العامة هو الحيوانات لا البشر!) وبالرغم من هذا الإنفاق الهائل على الأبحاث، فما زلنا لا نفهم بحق السبب وراء نسبة هائلة من أنواع السرطان. علاوة على ذلك، وبالرغم مما أُنفِق من مال على العقاقير وأبحاثها، نجد أن معظم من شفوا من مرضى السرطان، عولجوا إما بالتدخل الجراحي أو بالعلاج الإشعاعي، كما سنشرح في الفصل الثالث. أما العلاج الكيماوي وغيره من أساليب العلاج الأخرى الأحدث عهدًا، مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة أو العلاجات «بالجزيئات الصغيرة» الموجهة، مع أن أهميتها في ازدياد مستمر، فلا تزال تشكل أقلية بين أساليب العلاج، وإن كان لها دور مهم في تخفيف الأعراض في الحالات المتقدمة من المرض.



بيانات الكتاب


الأسم : السرطان
المؤلف :  نيكولاس جيمس
المترجم : د. أسامة فاروق حسن
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 145 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget