الخرافة لــ روبرت إيه سيجال



يرجع رفض الخرافة في الغرب إلى أفلاطون الذي رفض خرافات هوميروس لأسباب أخلاقية بالأساس. واقتصر الأمر في الدفاع عن الخرافة من هذا الاتهام على الرواقيين الذين أعادوا تفسير الخرافات مجازيًّا. ولم يأتِ رفض الخرافات الأساسي في العصر الحديث من علم الأخلاق بل من العلم. ويُفترض
هنا أن تفسِّر الخرافة طريقة سيطرة الآلهة على العالم المادي بدلًا من طريقة تعامل الآلهة مع بعضها البعض، مثلما كان يرى أفلاطون. وبينما كان أفلاطون يسخر من الخرافات لتقديم الآلهة كشخصيات تمارس الأفعال اللاأخلاقية، فإن نقاد العصر الحديث يرفضون الخرافات بسبب تفسيرها للعالم تفسيرًا غير علمي.

الخرافة كعلم حقيقي

كان من أشكال الرفض الحديثة للخرافات رفض مصداقيتها العلمية. فهل حدثت عملية الخلق في ستة أيام فقط، مثلما تشير القصة الأولى من قصتَي الخلق في سفر التكوين (١: ١-٢: ٤أ)؟ هل كان هناك حقًّا طوفان غمر العالم بأكمله؟ هل يرجع تاريخ الأرض إلى ستة أو سبعة آلاف سنة فقط؟ هل أصاب المصريين عشرةُ ضربات بالفعل؟ كان أحد أكثر الدفاعات استماتةً عن الخرافة في هذا السياق هو الزعم بصحة الرواية المذكورة في الكتاب المقدس لهذه الأحداث، بسبب تنزيل الله للأسفار على موسى. ويتخذ هذا الرأي، المعروف باسم «نظرية الخلق»، صورًا متعددة، تتراوح بين حساب عدد أيام الخلق باعتبارها ستة أيام بالضبط، وبين اعتبارها مسألة استغرقت «عصورًا». وظهرت نظرية الخلق كرد فعل لكتاب «أصل الأنواع» لداروين (١٨٥٩)، الذي يطرح تطور الأنواع تدريجيًّا بعضها من بعض، وليس خلقها بصورة منفصلة آنية. ومما يدعو للدهشة أن نظرية الخلق صارت أكثر، وليس أقل، تشبثًا بالحرفية في تفسيرها لرواية الكتاب المقدس لقصة الخلق.



في الوقت نفسه، يتباهى مؤيدو نظرية الخلق من كافة المشارب بشأن رؤاهم باعتبارها علمية «وكذلك» دينية، وليست دينية «أكثر» من كونها علمية. و«نظرية الخلق» هي اختصار ﻟ «علم الخلق»، الذي يقتنص أي دليل علمي من أي نوع لدعم مزاعمه، ودحض مزاعم النظريات اللادينية المنافسة مثل التطور. ولا شك في أن «علماء الخلق» قد يعترضون على استخدام مصطلح «خرافة» للتعبير عن الرؤى التي يدافعون عنها؛ وذلك فقط نظرًا للمعتقدات الزائفة المرتبطة بالمصطلح. وإذا جرى استخدام المصطلح بصورة محايدة للإشارة إلى معتنق راسخ، فإن نظرية الخلق ستعبر حينها عن خرافة تزعم أنها علمية. ومن وجهة نظر علماء الخلق، لا يستند التطور إلى أي أساس علمي على الإطلاق. وفي حال وجود أي صدام بين الكتاب المقدس والعلم الحديث، يجب على العلم الحديث أن يفسح المجال لعلم الكتاب المقدس، وليس العكس.

الخرافة كعلم حديث

يتمثل أحد الدفاعات الأكثر اعتدالًا عن الخرافة في وجه رفض العلم الحديث لها في التوفيق بينها وبين العلم. وفي هذا السياق، يتم التخلص من العناصر التي تصطدم بالعلم الحديث أو، بصورة أكثر براعة، إعادة تفسيرها بحيث تصير حديثة وعلمية. وتعتبر الخرافة ذات مصداقية علمية؛ نظرًا «لأنها» علم — علم حديث. ربما لم يكن بمقدور إنسان اسمه نوح (النبي) وحده جمع كل هذه الأنواع من الكائنات والحفاظ على حياتها في قارب خشبي قوي بما يكفي لتحمل أمواج أعتى البحار الموجودة آنذاك، لكن كان هناك طوفان. من ثم، يعتبر ما ظل قائمًا من الخرافة صحيحًا لأنه علمي. ويُعد هذا الأسلوب في التناول متعارضًا مع الأسلوب الذي يُطلق عليه «التجرد من العناصر الخرافية»، الذي يفصل الجانب الخرافي عن العلمي. وسنتناول أسلوب التجرد من العناصر الخرافية في الفصل التالي.

وفي تعليق على الضربة الأولى؛ ألا وهي تحول مياه النيل إلى دم (سفر الخروج ٧ : ١٤–٢٤)، يجسد محررو «إنجيل أكسفورد المشروح» هذا الأسلوب المنطقي بقولهم: «كانت ضربة الدم تعكس بوضوح ظاهرة طبيعية في مصر؛ ألا وهي لون نهر النيل الضارب إلى الحمرة في أوج فيضانه في الصيف، والذي كان يرجع إلى جسيمات حمراء في الأرض أو ربما إلى كائنات حية دقيقة.» أما بالنسبة للضربة الثانية؛ ألا وهي ضربة الضفادع (سفر الخروج ٨ : ١-١٥)، كتب المحررون قائلين في وضوح: «كان طمي النيل، بعد موسم الفيضان، هو البيئة الطبيعية لتكاثر الضفادع، ولم تتعرض مصر لهذه الضربة لأكثر من مرة من قبل؛ نظرًا لوجود الطائر الآكل للضفادع؛ أبو منجل.» فيا لها من مصادفة، تلك التي وقعت حينما كان طائر أبو منجل ليس على الساحة عندما بسط هارون يده للتسبب في وقوع الضربة، وحتمًا عاد الطائر في الوقت الذي كان موسى يرغب فيه في رفع البلاء! فبدلًا من وضع الخرافة «في مواجهة» العلم، يسنح هذا الأسلوب بتحويل الخرافة «إلى» علم، وليس كما هو رائج حاليًّا، تحويل العلم إلى خرافة.

بيانات الكتاب

الأسم : الخرافة
المؤلف :  روبرت إيه سيجال
المترجم : محمد سعد طنطاوي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 167 صفحة
الحجم : 7 ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget