الاقتصاد البيئي لــ ستيفن سميث




استيقظ سكان لندن صبيحة يوم الجمعة الموافق الخامس من ديسمبر لعام ١٩٥٢ ليجدوا المدينة قد غشاها ضباب كثيف حمضي مائل إلى الصفرة — سحابة من «الضباب الدخاني» — خفَّض مجال الرؤية إلى بضعة أمتار فقط وعلق في أحلاق سكانها. كان الطقس باردًا منذ عدة أسابيع، واحتُجزتْ بالقرب من مستوى سطح الأرض انبعاثات السناج الكبريتي الصادرة من محارق الفحم المنزلية
والصناعات وحافلات لندن الجديدة التي تعمل بمحركات الديزل بفعل طبقة من الهواء الأبرد؛ وكان ذلك انقلابًا حراريًا استمر لمدة خمسة أيام حتى تغيَّر مسار الرياح. توقفت أغلب مظاهر الحياة في المدينة. كان من الضروري أن يسير الركاب أمام الحافلات بمشعل كهربائي لإرشادها إلى طريق العودة. وكان قائدو المركبات يتبعون الأضواء الخلفية للسيارات التي تسير أمامهم، آملين في أنها تسير في الاتجاه الصحيح؛ وقيل إن البعض كان ينتهي بهم الحال في باحة المنزل الأمامية لأشخاص آخرين. أُلغيت الفعاليات الرياضية حيث لم يكن المشاهدون سيتمكنون من رؤية ما يحدث على أرض الملعب؛ ولم يتابع أحد سباق الكلاب السلوقية في وايت سيتي لمَّا لم تعد الكلاب قادرة على رؤية الأرنب الميكانيكي الذي يفترض أن تطارده. وفي يوم السبت، أُلغي عرض أوبرا «لا ترافياتا» على مسرح سادلرز ويلز بعد الفصل الأول؛ لأن الضباب الدخاني كان قد تسرب إلى المسرح وتسبَّب في إصابة المطربين والجمهور بالسعال والاختناق.
كانت لندن معروفة لزمن طويل بضبابها الكثيف — «حساء البازلاء» كما سماه السكان المحليون — لكن ذلك كان على نطاق مختلف تمامًا، وكانت له عواقب وخيمة. أشارت التقديرات في ذلك الوقت إلى وفاة ٤٠٠٠ شخص جراء الضباب الدخاني، رغم أن التقديرات الأحدث أشارت إلى ثلاثة أمثال هذا الرقم. أدى الغضب العام من هذا الحدث على الفور إلى إصدار تشريع جديد. نص «قانون الهواء النقي» لعام ١٩٥٦ على وجود مناطق لادخانية في أنحاء متعددة من لندن، واقتضى أن يحوِّل سكان المنازل محارق الفحم المفتوحة إلى أفران مغلقة تعمل بأنواع وقود لادخاني، أو يستخدموا الغاز أو المدافئ الكهربائية، وهو تدبير مثَّل بداية التشريع الحديث لمكافحة التلوث في المملكة المتحدة.
فرض غضب الجماهير استجابة سريعة في السياسات داخل الولايات المتحدة أيضًا، بعد بضع سنوات، وبعد نشر كتاب «الربيع الصامت» عام ١٩٦٢ لعالمة الأحياء والطبيعة راشيل كارسون. ففي تقرير قُتل بحثًا وكُتب بأسلوب مقنع، سلَّطت راشيل كارسون الضوء على التأثيرات البيئية الخطيرة لعادة الرش الجوي العشوائي واسع النطاق للدي دي تي من أجل قتل الناموس، وقالت إن السم بدأ يتسلل إلى السلسلة الغذائية للحياة البرية، وإنه أدى إلى انخفاض شديد في أعداد الطيور والثدييات على مساحة واسعة. علاوةً على ذلك، هددت هذه التأثيرات صحة البشر أيضًا؛ حيث دخلت الرواسب في السلسلة الغذائية البشرية. لم يكن تأثير الكتاب نتيجةً فقط لملاحظاته بشأن الضرر الذي لحق بالحياة البرية. وحذرت راشيل كارسون من المخاطر المحتملة التي قد تمثلها الابتكارات العلمية غير المنظمة على البيئة، لافتة الانتباه إلى الادعاءات المضللة التي يطلقها المصنِّعون عن أمان منتجاتهم الجديدة المربحة وإقرار السلطات العامة هذه المنتجات إقرارًا أعمى. دفعت الاستجابةُ الشعبية الغاضبة للكتاب الرئيسَ كنيدي إلى فتح تحقيق في مزاعم الكتاب، تجريه اللجنة الاستشارية العلمية. وعندما أيدت اللجنة رسالة الكتاب، تبع ذلك إجراء سياسي جذري؛ قُنِّن استخدام الدي دي تي، ثم مُنع استخدامه نهائيًّا، وأُنشئت وكالة حماية البيئة الأمريكية ذات النفوذ عام ١٩٧٠، كما صدرت مجموعة كبيرة من التشريعات البيئية الجديدة الصارمة على مدار العَقد اللاحق.


بيانات الكتاب


الأسم : الاقتصاد البيئي
المؤلف :  ستيفن سميث
المترجم : إنجي بنداري
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 154 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget