البوذية لــ داميان كيون


كانت البوذية منذ بداياتها ديانةً تبشيرية؛ فقد تجوَّل بوذا في منطقةٍ كبيرةٍ ناشرًا تعاليمه، وحضَّ أتباعه بوضوحٍ على أن يحذُوا حذْوَه من خلال هذه الكلمات: «اذهبوا أيها الرهبان وتجوَّلوا من أجل خير ورفاهية الناس.» شهد انتشار البوذية زخمًا كبيرًا في القرن الثالث قبل الميلاد عندما أصبح واحدٌ من أعظم الشخصيات في التاريخ الهندي — ويُدعى أشوكا موريا — إمبراطورًا للهند في حوالي عام ٢٦٨ قبل الميلاد. من خلال الغزو، وسَّع أشوكا رقعة الإمبراطورية المورية وجعلها أكبر إمبراطورية شهدتها الهند
حتى الحكم البريطاني. وبعد حملةٍ دمويةٍ على الساحل الشرقي في المنطقة التي تُعرف اليوم باسم أوريسا، شعر أشوكا بالندم وتحوَّل إلى البوذية. وطوال بقية حُكمه الطويل حكم أشوكا وفقًا لتعاليم البوذية، وازدهرت البوذية تحت رعايته. وبالإضافة إلى المساعدة في ترسيخ قواعد البوذية في الهند، أرسل أشوكا أيضًا المبعوثين إلى ممالك حكَّام الشرق الأدنى ومقدونيا، ووفقًا للسجلات السنهالية، إلى جنوب شرق آسيا. وتوجد أخبار هذه البعثات الأولية في النقوش الحجرية التي تركها أشوكا في أنحاء مملكته، وتُقدِّم هذه النقوش بياناتٍ موثوقةً إلى حدٍّ كبيرٍ عن تاريخ الهند القديم. ولا يُعرف بأي قدرٍ من التأكيد ماذا كان مصير تلك البعثات، لكن يبدو أن البعثات التي أُرسلت إلى الغرب كان تأثيرها ضئيلًا؛ نظرًا لأن أقدم ذِكر باقٍ للبوذية في الوثائق الغربية يوجد في كتابات إكليمندس الإسكندري في القرن الميلادي الثاني (والإشارات الكلاسيكية القديمة إلى «السارمانيون والسامانيون» الهنود قد تشير أيضًا إلى البوذية).
البوذية في الهند
في الهند نفسها، أُسست جامعاتٌ عريقةٌ مثل تلك الجامعة الموجودة في نالاندا بالقرب من موقع مدينة باتنا الحالية، وقد ازدهرت تلك الجامعات ما بين القرنين السابع والثاني عشر من الميلاد. وكان عدد كبير من الطلاب، يُقدَّر بنحو عشرة آلاف طالبٍ، يلتحقون بتلك الجامعات في أيِّ وقتٍ لتَلقِّي دوراتٍ دراسيةٍ في مختلِف فروع البوذية مثل المنطق والقواعد اللغوية ونظرية المعرفة والطب ودراسة المادياماكا وغيرها من الفلسفات. وانتشرت أيضًا مراكزُ بوذية مهمة في كلٍّ من الجنوب وأقصى الشمال الغربي، وكان أقصى الشمال الغربي بوابةً مهمة لانتشار البوذية في آسيا الوسطى والشرق الأقصى.
وخلال النصف الأول من الألفية الأولى من الميلاد، ازدهرت البوذية، على الرغم من أنها عانت من عقبةٍ في حوالي عام ٤٥٠ من الميلاد على يد قبيلةٍ من آسيا الوسطى تُعرف باسم الهون البيض عندما دمَّرَتِ الأديرةَ البوذية في أفغانستان وفي شمال غرب الهند. وفي النصف الثاني من الألفية، اختلطتْ حظوظ البوذية، وفي نهاية هذه الفترة شهدت البوذية تراجعًا في الهند. وفي أواخر القرن العاشر، تعرَّض شمال الهند للهجوم مرةً أخرى. وفي هذه المرة كان الغزاةُ مسلمين أتراكًا شنُّوا سلسلةً طويلةً من الحملات في غضونها توغَّلوا إلى عمق شمال شرق الهند؛ مما جعلهم يحتكُّون بالموطن القديم للبوذية. واتَّخذت هذه الحملات شكل الغارات التي كان دافعُها الرغبةَ في الغنيمة ومبررُها مبدأَ «الجهاد». وعانت البوذية بشدةٍ من هذه الغارات؛ لأن الأديرة غير المحصَّنة مثَّلتْ غنيمةً سهلة. اعتُبر البوذيون «وثنيِّين» في نظر المسلمين بسبب صور البُددة ورهبان البوديساتفا التي كانت تُزيِّن أديرتهم، ودُمرت الأعمال الفنية وأُحرقت المكتبات بالكامل. وفي عام ١١٩٢ بسطتْ قبيلة تركية حُكمها في شمال الهند، وتُعرف السلسلة الأولى من السلالات المسلمة باسم سلاطين دلهي. وكانت القرون القليلة التالية عصر تقلُّبات وتشوُّش، إلى أن بدأ المغول عصرَ استقرارٍ نسبيٍّ وتسامُحٍ دينيٍّ في القرن السادس عشر. ولكن لم يحدث ذلك إلا بعد فوات الأوان. وكما لو كانت البوذية تُجسِّد حقيقة تعليمها القائل بأن كل ما يظهر سوف يختفي، فقد اختفَتِ البوذية تقريبًا من الأرض التي شهدتْ مولدها.
ويمكن مناقشة تاريخ البوذية بسهولةٍ في بقية آسيا في سياق وجودها في الشمال والجنوب. وعلى العموم، فإن بوذية الماهايانا يشيع وجودها في الشمال، ويشيع تقليد الأقدمين في الجنوب. ونظرًا لبقاء مذهبٍ واحدٍ فقط من الاثني عشر مذهبًا من التقليد القديم، الذي يُعرف بمذهب التيرافادا، سوف أتحدث من الآن فصاعدًا عن الشكلين الرئيسيَّين المتبقيَين من البوذية المعروفَين باسم الماهايانا والتيرافادا.




بيانات الكتاب



الأسم : البوذية
المؤلف : داميان كيون
المترجم :صفية مختار
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget