الأسلحة النووية لــ جوزيف إم سيراكوسا


هذا الكتاب سيتناول أهمَّ الأسئلة — وأكثرها شيوعًا وتكرارًا — المتعلقة بتطوير الأسلحة النووية، إلى جانب السياسات التي تمخضت عنها. وترتكز هذه المناقشة على فرضية منطقية واحدة مفادها: أن الأسلحة النووية لا تزال مهمة. صحيح أن الأسلحة النووية لم تُستخدَم في أعمال الحرب منذ أن أُلْقِيَت القنبلتان الذريتان على كلٍّ من هيروشيما وناجازاكي منذ أكثر من ستين عامًا، إلا أن المخاوف الواقعية
بشأن إمكانية استخدام هذه الأسلحة ظلَّتْ حاضرةً على نحو جَلِيٍّ على المسرح العالمي. وقد عبَّرَ ليزلي أسبن — أول وزير دفاع في إدارة الرئيس بيل كلينتون — عن الأمر على نحو ملائم بقوله: «لقد انْقَضَت الحرب الباردة، وذهب الاتحاد السوفييتي إلى غير رجعة. لكن بكل تأكيد لا يعني انقضاء الحرب الباردة أن الحقبة النووية قد ولَّت هي الأخرى.» فرغم كلِّ الجهود المبذولة لتقليص مخزون الأسلحة النووية إلى الصفر، فإنه في المستقبل المنظور ستظلُّ القنابل النووية موجودة. فربما ولَّت الأيام التي كان فيها التعايش مع وجود القنابل النووية يعني — حسب كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت — أننا «كنا نعلم كل ليلة أنه في غضون دقائق — ربما بسبب سوء فهمٍ ما — من الممكن أن ينتهي عالمنا ولا نرى ضوء النهار.» لكن رغم تراجع خطر نشوب حرب نووية، فإن هذا الخطر لم يتلاشَ تمامًا. فرغم الجهود المبذولة لم تتعدَّ فكرةُ العالم الخالي من الأسلحة النووية كونَها مجرد حلم جميل. بل في الواقع، ووفق استطلاع لآراء الخبراء النوويين أَجْرَتْه لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في عام ٢٠٠٥، فإن احتمال أن يشهد العالم ضربة نووية في غضون السنوات العشر القادمة يصل إلى ٢٩٪. ولا يخالف هذا الإجماع في الرأي إلا قليلون.



تظل التهديدات النووية جزءًا أساسيًّا في العلاقات بين العديد من الدول، كما يلوح خطر أن تزداد في الأهمية. وانتشار الأسلحة النووية سيكون من شأنه على الأرجح التسبب في نتيجتين مشئومتين؛ تتمثل أولاهما في احتمال حصول الإرهابيين على أسلحة نووية، وهو التهديد الذي أطلَّ برأسه بوضوح في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. بطبيعة الحال لم ينجح أتباع أسامة بن لادن بعدُ في شَنِّ هجومٍ نووي، لكن وفق تقارير المحللين ليس السبب هو عجزهم عن هذا. فباستخدام كمية صغيرة من اليورانيوم المخصب، ومقدار قليل من التجهيزات العسكرية المتاحة عبر الإنترنت، وفريق صغير من الإرهابيين المكرِّسين جهودهم لهذا الغرض، يمكنهم تجميع قنبلة نووية في غضون أشهر قلائل، ثم توصيلها إلى وجهتها المقصودة؛ إما عن طريق الجو أو البحر أو السكك الحديدية أو الطرق البرية. وسيكون تأثيرُ مثلِ هذا الهجوم إذا جرى في قلب نيويورك أو لندن رهيبًا إلى درجة لا تُصدَّق.

النتيجة الثانية لانتشار الأسلحة النووية ستتمثل في ازدياد التهديدات باستخدامها، وهو ما سيُعِيق على نحو عظيم تحقيقَ الأمن العالمي، وسيكون من العسير من جوانب عدة التراجع فيه. فمع انضمام المزيد من الدول إلى النادي النووي بغرض تحسين وضعها الدولي أو التغلُّب على مواطن انعدام الأمن التي تراها لديها، سيتعيَّن على هذه الدول أن تمرَّ بمنحنى التعلم النووي الخاص بها، وهي عملية غير مضمونة النجاح، وهو ما تُبيِّنه لنا خبرة الدول النووية عبر الأعوام الستين الماضية. واحتمالات وقوع أحداث مؤسفة على مَرِّ الطريق شبه مؤكدة.

حين أُلقِيت القنبلة الذرية على اليابان في أغسطس من عام ١٩٤٥ في المراحل الختامية للحرب العالمية الثانية، كان من الجلي على الفور أنها لم تكن سلاحًا فعالًا جديدًا وحسب (وإن كانت كذلك بالفعل؛ إذ أثبتت القنبلة الذرية أنها أكثر فعالية من ألف غارة جوية تقليدية). فمن نواحٍ عِدَّة، لم يكن إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما من نوعية اللحظات التاريخية الفاصلة التي لا يمكن استيعابها إلا بالنظر إليها من منظور مستقبلي؛ إذ وصف الرئيس هاري إس ترومان ذلك الحدث وقتها للعالم المشدوه بأنه «تسخير لقوة الكون الأساسية»، وهو الرأي الذي اعتنقه على نحو واسع علماء الذرة المؤثِّرون.

بيانات الكتاب

الأسم : الأسلحة النووية
المؤلف :  جوزيف إم سيراكوسا
المترجم : محمد فتحي خضر
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 148 صفحة
الحجم : 8 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget