علم الكونيات لــ بيتر كولز



تاريخ موجز

علم الكونيات فرع حديث العهد نسبيًّا من العلوم الطبيعية. وفي هذا شيء من التناقض؛ لأن علم الكونيات يتناول بعضًا من أقدم الأسئلة التي طرحتها البشرية على غرار: هل الكون غير محدود؟ هل هو موجود منذ الأزل؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فكيف ظهر الكون إلى الوجود؟ وهل سينتهي يومًا ما؟ ومنذ أزمنة ما قبل التاريخ والبشرُ يسعَون إلى بناء إطار مفاهيمي من نوعٍ ما للإجابة على الأسئلة المتعلقة
بالعالم وبعلاقتهم به. كانت أُولى تلك النظريات، أو النماذج، عبارة عن خرافات ننظر إليها اليوم بوصفها ساذجة أو عديمة المعنى. بَيْدَ أن هذه التخمينات البدائية تُظهر الأهميةَ التي طالما نسبناها نحن البشرَ إلى التفكير في العالم. واليوم، يستخدم علماء الكونيات لغة ومنظومة من الرموز مختلفتين تمامًا، لكن ما يحفِّزهم بالأساس هو نفس ما حفَّز أسلافنا القدماء. وأَوَدُّ في هذا الفصل أن أسرد في إيجازٍ التطورَ التاريخيَّ ﻟ «موضوع» علم الكونيات، وأن أفسِّر الكيفية التي تطورت بها بعض أفكاره المحورية. وآمُل أن يوفر هذا نقطة انطلاق مفيدة نحو الفصول التالية التي سأستكشف فيها هذه الأفكار المحورية بمزيد من التفصيل.

الكون في الخرافات

أغلب المحاولات القديمة لدراسة الكون كانت مبنيةً بالأساس على شكل من أشكال التجسيم (أي نسبة الصفات البشرية إلى كائنات غير بشرية). وقد تضمنت بعض هذه المحاولات فكرة أن العالم المادي تُحَرِّكه كيانات ذات إرادة نافذة يمكنها أن تساعد البشرية أو تعوقها، فيما تضمَّن البعض الآخر فكرة أن العالم المادي نفسه جامد، ولكن يمكن لإله أو آلهة أن يتحكموا في مساره. في كلتا الحالتين تميل خرافات الخلق إلى عَزْوِ منشأ الكون إلى كيانات يمكن تفهُّم دوافعها — ولو جزئيًّا — من جانب البشر.



ثمَّة اختلافات كثيرة بين خرافات الخلق حول العالم، لكنْ هناك أيضًا أوجه تشابه لافتة. على سبيل المثال، عادةً ما تتضمن هذه الخرافات فكرة الحِرَفي الأسمى، وبذا يُقدَّم جمال العالم الطبيعي بوصفه صنيعة يد فنان ماهر، وثمَّةَ أمثلة على هذا في جميع الثقافات. وهناك صورة متكررة أخرى؛ هي نمو التنظيم من الفوضى، والتي تعكس التنظيم المتصاعد للمجتمع البشري. أيضًا هناك صورة مشابهة تمثِّل الكون بوصفه عملية بيولوجية، وأبرز الأمثلة على ذلك موجود في الخرافات التي تصوِّر الكونَ على أنه نشأ من بيضة أو بذرة.

تحتوي قصة الخلق البابلية — المعروفة باسم إنوما إليش — هذه العناصر. ترجع هذه الخرافة إلى حوالي عام ١٤٥٠ قبل الميلاد، لكنها مبنية على الأرجح على روايات سومرية أخرى أقدم. في قصة الخلق هذه تتجسَّد حالة الفوضى البدائية في البحر، ومن البحر تنشأ آلهةٌ تمثِّل المكونات الأساسية للعالم؛ كالسماء والأفق وغيرهما. من بين تلك الكيانات الإلهية يتصارع الإله مردوخ مع الإلهة تيامات — ربة البحر — ويصرعها، ويشكِّل مردوخ الأرضَ من جسدها.

الصين أيضًا مصدر لعدد من التفسيرات المثيرة للاهتمام، وأحد هذه التفسيرات يتضمَّن العملاق بان جو. في هذه القصة بدأ الكونُ كبيضة عملاقة. ظل العملاق نائمًا داخل البيضة لآلاف السنين، ثم استيقظ وتحرَّر محطِّمًا البيضة خلال ذلك. بعض أجزاء البيضة (الأخف والأكثر طُهرًا) ارتفعت مكوِّنةً السموات، بينما الأجزاء الأثقل والأدنس كوَّنت الأرضَ. حمل بان جو السموات بيديه، بينما ارتكزت قدماه على الأرض. ومع ارتفاع السموات أكثر وأكثر، صار العملاق أطول وأطول؛ كي يُبقي على اتصالها بالأرض. وفي النهاية مات بان جو، لكن أجزاء جسده استُخدمت على نحوٍ مفيد؛ إذ صارت عينه اليسرى الشمسَ، وعينه اليمنى القمرَ، وصار عَرَقه المطرَ، وشعره النباتاتِ، وصارت عظامه الصخورَ.

تتعدد أساطير الخلق بتعدد الثقافات، ولا أملك المساحة الكافية هنا لذكر المزيد من التفاصيل. وسواء أكانت الأساطير أفريقية أم آسيوية أم أوروبية أم أمريكية، فمن المدهش كيفية تَشارُكها في العديد من أوجه الشبه.


بيانات الكتاب

الأسم : علم الكونيات
المؤلف :  بيتر كولز
المترجم : محمد فتحي خضر
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 149 صفحة
الحجم : 7 ميجابايت
الطبعة الأولى 2015 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget