الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية لــ إل ساندي مايسل




يفخر الأمريكيون — ولهم كل الحق — بنظامهم الانتخابي الديمقراطي لعراقته. ومع ذلك — والحق يقال — فإن عددًا قليلًا من الأمريكيين، بل وعدد أقل من المراقبين من بني الأمم الأخرى، يفهمون العملية الانتخابية الأمريكية. يقيِّم معظم مواطني الأنظمة الديمقراطية الديمقراطياتِ الأخرى وفقًا للمعيار الذي ترسيه ديمقراطيتهم التي ينتمون إليها، لكن الديمقراطيات النيابية أصنافها
متعددة، والشيء المشترك عبر الأنظمة الديمقراطية أن المواطنين يصوِّتون لاختيار مَن يحكمونهم، فيختارون في بعض الحالات مديرين ومشرِّعين وقضاة، وفي حالات أخرى، لا يختارون إلا بعضًا من هؤلاء. وفي بعض الأمم، يختار الناخبون متقلدي المناصب على المستويات الوطني والإقليمي والمحلي، وفي بعضها الآخر لا يختارون إلا بعضًا من هؤلاء. الشيء بالغ الأهمية هنا هو قدرة المواطنين على تقييم أداء مَن يتخذون القرارات التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا في حياتهم.
يُحكَم على ديمقراطيات العالم من حيث فاعليتها استنادًا إلى عدد من العوامل، منها: هل العملية الديمقراطية مفتوحة؟ وهل يملك مَن ليسوا في السلطة فرصة للتنافس على المنصب بنجاح؟ ففي كندا تناوبت الأحزاب الهيمنة على الحكومة بشيء من التكرار، أما في الاتحاد السوفييتي فلم يكن تناوب السلطة أمرًا متصورًا.
هل يشارك المواطنون بسهولة وحرية في العملية السياسية؟ ففي الدانمرك وألمانيا يبلغ متوسط الإقبال في الانتخابات التشريعية العادية نحو ٩٠ في المائة، وفي بولندا وسويسرا تقترب النسبة من ٥٠ في المائة، وفي الانتخابات الأمريكية الأخيرة أدلى نحو ٣٣ في المائة بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي، ونحو ٥٠ في المائة في الانتخابات الرئاسية.
ما مقدار المعلومات التي يتاح للمواطنين الاطلاع عليها قبل اتخاذ قراراتهم بالتصويت؟ وإلى أي مدى يكون المتسابقون والأحزاب أحرارًا في التعبير عن آرائهم في قضايا الساعة؟ تغطي الأنظمة الديمقراطية طيفًا واسعًا من حيث مدى حرية توجيه النقد — سواء من قِبل الصحافة أو المعارضة — لِمن هم في السُّلطة بشأن قضايا من قبيل انفتاح العملية الديمقراطية، وقدرة مَن هم خارج السلطة على المنافسة على المنصب بنجاح، ومستوى المشاركة بين المواطنين، ومقدار المعلومات التي يملك المواطنون إمكانية الاطلاع عليها قبل اتخاذ قراراتهم، والحرية التي يملكها المتسابقون للتعبير عن آرائهم والمواطنون للتصويت.
تحرز الديمقراطية في الولايات المتحدة نقاطًا مرتفعة جدًّا حسب كل تلك المعايير؛ فمن ناحية الحقوق والإجراءات، تُعدُّ الديمقراطية الأمريكية نموذجًا يُحتذى، بيد أن ثمة حاجة إلى معايير أرفع. فلا بد أن يتمكن الناخبون والمتسابقون من الاستفادة من هذه الإجراءات، ومن ثمَّ مباشرة حقوقهم على نحو يؤثر على السياسات الحكومية كي تتفق مع التفضيلات التي يعبر عنها المواطنون.
في هذا الكتاب نبحث سبل تيسير المؤسسات الانتخابية في الولايات المتحدة — غالبًا من خلال التصويت — على المحكومين إبداء قبولهم للحكام، ونتناول أيضًا «الأوقات» التي تنهار فيها عملية استدرار دعم المواطنين لسياسة الحكومة (ومن ثم استدرار ذلك القبول). إن كثيرًا من المواطنين الذين يبدون حماسًا في اهتمامهم بالسياسات (بقضايا الحرب والسلام؛ والازدهار الاقتصادي؛ ورعاية الفقراء والمرضى والمسنين؛ وبالمساواة في المعاملة دون اعتبار للدين أو للعرق أو لنوع الجنس أو للميل الجنسي أو للإعاقة البدنية؛ وبقضايا حماية البيئة، وغيرها الكثير) تضجرهم آليات العملية الانتخابية. لكن هذه القضايا هي التي تستهويني. فالقواعد التي تدار بها الانتخابات تقرر في أغلب الأحيان من سيفوز، ومِن ثم، تحدد الذين ستُلبى تفضيلاتهم السياسية. وهكذا فإن فهم ما قد يبدو فروقًا إجرائية دقيقة ضروري لفهم نتائج الانتخابات والسياسات على حد سواء.
سنبدأ رحلة تمحيصنا للديمقراطية الأمريكية بمناقشة جوانب الإطار الدستوري الأمريكي وثيقة الاتصال لا بالعملية الانتخابية فحسب، بل بأهم جوانب هذه العملية أيضًا؛ فننظر إلى كيفية مساهمة كل جانب من هذه الجوانب الأساسية للحكم الأمريكي في قدرة المواطنين على إبداء قبولهم السياسات التي تفرضها حكومتهم أو انتقاصه من هذه القدرة. وتساعد المفاهيم المألوفة، من قبيل الفصل بين السلطات والنظام الفيدرالي، على تفسير كيف تحل أمريكا بأسلوب فريد مشكلة القبول الديمقراطي، ومن ثم فإن لها آثارًا مهمة تستحق المناقشة مجددًا.
(١) جمهورية فيدرالية قائمة على الفصل بين السلطات
السمتان المحدِّدتان للديمقراطية الأمريكية هما الفصل بين السلطات (في ظل ضوابط وتوازنات مكفولة دستوريًّا) والفيدرالية. وعلى الرغم من اشتراك أمم أخرى في إحدى هاتين السمتين، أو كلتيهما، فإن طرق عملهما في ظل الدستور الأمريكي فريدة من نوعها، ولا يمكن للمرء أن يفهم النظام الأمريكي دون استجلاء تبعاتهما على كلٍّ من السياسة والحكم.
يعني الفصل بين السلطات إناطة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بمؤسسات منفصلة، فلا يجوز للشخص الذي يتولى منصبًا تنفيذيًّا أن يتولى منصبًا تشريعيًّا ولا قضائيًّا. ولهذه القاعدة استثناءان طفيفان على مستوى الحكومة الوطنية؛ إذ يتولى نائب رئيس الولايات المتحدة — وهو مسئول تنفيذي منتخب — رئاسة مجلس الشيوخ، ووظيفتاه الوحيدتان ترؤُّس مجلس الشيوخ والإدلاء بصوته في حالة تعادل الأصوات، كما يترأس رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة مجلس الشيوخ في ذلك الظرف الاستثنائي عندما يعقد مجلس الشيوخ محاكمة لرئيس الجمهورية، وهو ما لم يحدث في تاريخ الأمة إلا مرتين.
في الحكومات التي تتسم بالفصل بين السلطات، يُنتخب رئيس السلطة التنفيذية على نحو منفصل عن المشرِّعين، وفي الولايات المتحدة لا يُختار هؤلاء المسئولون في انتخابات منفصلة فحسب، بل إن مدد توليهم مناصبهم على النحو المعيَّن في الدستور — أربع سنوات لرئيس الجمهورية، وسنتان لمجلس النواب، وست سنوات لمجلس الشيوخ — تضمن أيضًا انتخابهم من قِبل جماهير ناخبين مختلفة. ويختلف النظام القائم على الفصل بين السلطات عن النظام البرلماني، كنظام المملكة المتحدة، الذي يكون فيه رئيس الوزراء عضوًا منتخبًا بالبرلمان يختاره زملاؤه المشرِّعون زعيمًا.


بيانات الكتاب


الأسم : الانتخابات والأحزاب السياسية الأمريكية
المؤلف :  إل ساندي مايسل
المترجم : خالد غريب علي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 154 صفحة
الحجم : 9ميجابايت
الطبعة الأولى 2014 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget