تطوُّر الإنسان لــ برنارد وود



قبل أن يبدأ الباحثون بزمنٍ طويلٍ في جَمْع الأدلة المادية على أَوْجُه الشبه المتعددة بين الإنسان الحديث والحيوانات الأخرى، وقبل أن يضع تشارلز داروين وجريجور مندل أُسُس فهمنا للمبادئ والآليات التي يقوم عليها الترابط في عالم الأحياء؛ كان فلاسفة الإغريق قد توصَّلوا إلى أن البشرية الحديثة كانت جزءًا من العالم الطبيعي، وليست منفصلةً عنه. متى إذنْ بدأتْ عملية استخدام العقل في محاولة فَهْم أصول الإنسان، وكيف تطوَّرت؟ ومتى طُبق الأسلوب العلمي لأول مرةٍ في دراسة تطوُّر الإنسان؟
قدَّم أفلاطون وأرسطو في القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد أوَّل أفكارٍ مسجَّلةٍ عن أصل البشرية؛ إذ أشار هذان الفيلسوفان الإغريقيان إلى أن العالم الطبيعي بأكمله، بما في ذلك الإنسان الحديث، يُشكِّل نظامًا واحدًا؛ يعني هذا أن الإنسان الحديث لا بد أنه نشأ تمامًا مثل الحيوانات الأخرى. وقد اقترح الفيلسوف الروماني لوكريتيوس، الذي كتب مؤلفاته في القرن الأول قبل الميلاد، أن البشر القدامى لم يكونوا يُشبهون الرومان المعاصرين، وقال إن أسلاف البشر كانوا سكانَ كهوفٍ يُشبهون الحيوانات، ولم يملكوا أدواتٍ أو لغة. لقد رأى كلٌّ من المفكرين الإغريق والرومان القدامى أن صُنع الأدوات والنار واستخدام اللغة الشفهية عناصرُ أساسية للبشرية؛ ومن ثَمَّ نشأتْ فكرة تطوُّر الإنسان الحديث من شكلٍ بدائيٍّ أقدم في الفكر الغربي في وقتٍ مبكر.
(١) الإيمان يحلُّ محل المنطق


عقب انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي حلَّت محلَّ الأفكار الإغريقية الرومانية عن خلق العالم والبشرية القصةُ المذكورةُ في سِفر التكوين؛ وبذا حلَّت التفسيراتُ الدينيةُ محلَّ التفسيرات المنطقية.
إن الأجزاء الرئيسية في هذه القصة معروفة؛ فقد خلق الله البشر في شكل رجل، هو آدم، ثم سيدة؛ حواء. ولأن آدم وحواء كانا من صُنع الله لم يكن بُدٌّ من أن يُزوَّدا باللغة والعقول العاقلة والمثقفة. ووفقًا لهذه النسخة من أصول الإنسان، استطاع البشر الأوائل الحياة معًا في انسجام، وكانوا يمتلكون جميع القدرات العقلية والخُلقية التي تجعلهم — وفقًا لرواية الإنجيل — أعلى مكانةً من الحيوانات الأخرى وتُميِّزهم عنها.
أما تفسير الإنجيل للأعراق المختلفة للإنسان الحديث، فهو أنها نشأتْ عندما هاجرت ذرية نُوحٍ إلى أجزاءٍ مختلفةٍ من العالم عقب الطوفان العظيم الأخير المذكور في الإنجيل. نحن نُطلق على أي شيءٍ بالغ القدم كلمة «عتيق»، أو يرجع تاريخه إلى «ما قبل الطوفان». كما كان لتفسيرات خلق عالم الكائنات الحية التي تشتمل على حدوث فيضاناتٍ متتاليةٍ دلالاتٌ للعلم الذي سيُعرف فيما بعدُ باسم علم الحفريات؛ فكل الحيوانات التي تُخلق عقب أحد الفيضانات لا بد أن تموت في وقت حدوث الفيضان التالي؛ لذا لا يمكن أبدًا أن تكون حيوانات «ما قبل الطوفان» قد عاشتْ مع الحيوانات التي حلَّت محلها. وسنعود إلى الحديث في هذا الشأن والدلالات الأخرى لنظرية تأثير الطوفان العظيم في موضعٍ لاحقٍ من هذا الفصل.
احتوى الإنجيل أيضًا على تفسيرٍ للتنوُّع الغني في لغات البشر؛ فيقول إنَّ الله أراد زيادة الارتباك بين الناس الذين يبنون برج بابل، وإنه فعل ذلك عن طريق إيجادِ لغاتٍ لا يفهم بعضُهم بعضًا بها. وفي رواية سِفْر التكوين لأصول الإنسان كان نجاح إغواء الشيطان لآدم وحواء في جنة عدن هو ما أجبرهما وذريتَهما على أن يتعلَّموا من جديدٍ الزراعةَ وتربية الحيوانات. وكان لزامًا عليهم إعادة اختراع كل الأدوات اللازمة للحياة المتحضرة.


بيانات الكتاب

الأسم : تطوُّر الإنسان
المؤلف : برنارد وود
المترجم :زينب عاطف
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 134 صفحة
الحجم : 21 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget