نظرية الفوضى لــ ليونارد سميث



يعكس مفهوم «الفوضى» في هذا الكتاب بعضَ الظواهر في الرياضيات والعلوم، إنها النظم التي يكون فيها (دون خداع) للفروق الصغيرة في الطريقة التي تكون عليها الأشياء في الوقت الحالي آثارٌ كبيرة على الطريقة التي ستكون عليها الأشياء في المستقبل. وسيكون من قبيل الخداع — بالطبع — إذا
حدثت الأشياء على نحوٍ عشوائيٍّ فقط، أو إذا ظل كل شيءٍ في حالة ازديادٍ مستمرٍّ إلى الأبد. يستقصي هذا الكتاب أثر الثراء اللافت الذي ينتج عن ثلاثة محددات بسيطة، سنطلق عليها «الحساسية»، و«الحتمية»، و«التكرار». تسمح هذه المحددات بالفوضى الرياضية: سلوك يبدو عشوائيًّا، لكنه ليس كذلك. فعندما سُمِح في هذه الفوضى بقدرٍ قليلٍ من «عدم اليقين» وافتُرض أنها المكون النَّشِط للتوقُّع، أثارت جدلًا عمره مئات السنين حول طبيعة العالم.
يحاول هذا الكتاب تقديم هذه المصطلحات للقارئ. إن هدفي هو بيان ماهية الفوضى، ومواضعها، وكيفياتها؛ متجاوزًا أي موضوعاتٍ تدور حول أسبابها التي تتطلب خلفية رياضية متقدمة. لحسن الحظ، يصلح وصف الفوضى والتوقُّع لفهمٍ بصريٍّ هندسي؛ سيكشف تناولُنا للفوضى القابليةَ للتوقُّع دون معادلات، مُزِيحًا الستار عن تساؤلاتٍ مفتوحةٍ للبحث العلمي النَّشِط في مجالات الطقس، والمناخ، والظواهر الواقعية الأخرى ذات الأهمية.


تطوَّر الاهتمام الحديث الواسع بعلم الفوضى على نحوٍ مختلفٍ عمَّا حدث من الاهتمام الكبير بالعلوم الذي ظهر منذ قرن، عندما لامست النسبية الخاصة عصبًا مألوفًا كان مفترضًا أن ينبض لعقود. لماذا كان رد الفعل العام تجاه تبنِّي العلم للفوضى الرياضية مختلفًا؟ ربما يتمثَّل أحد الأسباب في أن معظمنا يعرف بالفعل أنه في بعض الأحيان قد يترتَّب على الفروق الصغيرة جدًّا آثار هائلة. ترجع أصول المفهوم الذي بات يُعرَف الآن باسم «الفوضى» إلى الخيال العلمي، كما ترجع إلى حقائق العلم. في حقيقة الأمر، نَمَتْ جذور هذه الأفكار في تربة الخيال قبل أن تُقبَل كحقائق؛ فلعل العامة كانوا بالفعل على وعيٍ بتداعيات الفوضى، بينما ظل العلماء في حالة إنكار. وتوافر لدى كبار العلماء وعلماء الرياضيات الشجاعةُ والاستبصارُ الكافيان لتوقُّع ظهور مفهوم الفوضى، لكن حتى وقتٍ قريبٍ اشترط الاتجاه السائد في العلم على الحلول حتى تكون صالحةً ضرورةَ أن تكون متساوقة؛ فالأشكال الكسرية والمنحنيات الفوضوية لم تكن تُعَدُّ شذوذًا فحسب، بل كانت تُعَدُّ أيضًا أمارةً على مسائل أُسِيء طرحها. بالنسبة إلى أي عالم رياضيات، قلما تجد اتهامًا يجعله يشعر بالخزي أكثر من طرح فكرة أنه أضاع حياته المهنية في مسألة أُسِيء طرحها. ولا يزال بعض العلماء يكرهون المسائل التي يُتوقَّع أن تكون نتائجها غير قابلةٍ للتكرار، ولو من الناحية النظرية. لم تصبح الحلول التي تتطلبها الفوضى مقبولةً على نطاقٍ واسعٍ في الدوائر العلمية إلا مؤخرًا، واستمتع المتابعون من العامة بالتشفِّي الذي بَدَا من عبارة «لقد قلنا لكم ذلك» التي يقولها «الخبراء» عادةً. يشير ذلك أيضًا إلى سبب شيوع دراسة الفوضى في العلوم التطبيقية مثل علم الأرصاد الجوية وعلم الفلك، على الرغم من دراستها بقوةٍ في الرياضيات والعلوم؛ فالعلوم التطبيقية تُحرِّكها رغبة في فهم الحقيقة وتوقُّعها، وهي رغبة تتجاوز التفصيلات الدقيقة في صور الرياضيات السائدة في وقتٍ ما. تطلَّبَ ذلك أفرادًا فريدين من نوعهم استطاعوا رأب الفجوة بين نماذجنا للعالم والعالم الواقعي دون الخلط بين الاثنين، أولئك الذين استطاعوا تمييز الرياضيات عن الواقع؛ ومن ثَمَّ وسَّعوا دائرة الرياضيات.
كما هي الحال في جميع كتب سلسلة «مقدمة قصيرة جدًّا»، تتطلب قيود المساحة اختصار عرض أو حذف بعض الموضوعات؛ لذلك فإنني أكتفي هنا بعرض بعض الموضوعات الرئيسية بشكلٍ مفصل، بدلًا من عرض شروحٍ ضحلةٍ لعددٍ كبيرٍ من الموضوعات؛ لذلك أعتذر إلى مَن لم أُشر إلى أفكارهم وأعمالهم، وأتوجَّه بالشكر إلى لوسيانا أوفلاهيرتي (محررة كتبي)، ووندي باركر، ولين جروف لمساعدتي في التمييز بين أهم الموضوعات من وجهة نظري وما قد يهم القارئ.

بيانات الكتاب

الأسم : نظرية الفوضى
المؤلف :  ليونارد سميث
المترجم : محمد سعد طنطاوي
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 188 صفحة
الحجم : 24 ميجابايت
الطبعة الأولى 2016 م

إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget