الحركة التقدمية في أمريكا لــ والتر نوجنت



يشير مصطلح «الحركة التقدُّمية» — في تاريخ المجتمع الأمريكي والسياسة الأمريكية — إلى حركةٍ إصلاحيةٍ متعددة الجوانب ظهرت في السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر، وازدهرت بحلول القرن العشرين وحتى عام ١٩٢٠، ثم تلاشت في مطلع العشرينيات من القرن العشرين. على مستوى السياسة الوطنية، حقَّقت هذه الحركة أعظم إنجازاتها فيما بين عامَيْ ١٩١٠ و١٩١٧. وعلى مستوى السياسة
المحلية والخاصة بالولايات وجهود الإصلاح الخاصة — مثل الكنائس، ومراكز التكافل الاجتماعي، وحملات مكافحة الأمراض — بدأتِ التغيُّرات التقدمية في الظهور في تسعينيات القرن التاسع عشر، واستمرت حتى عشرينيات القرن العشرين. لعب عدد كبير من الناشطات — على الرغم من عدم حصول المرأة على حق الانتخاب — دورًا كبيرًا في هذه الجهود الرَّامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. وعلى مستوى السياسة الوطنية، برز الزعماء «الأربعة الكبار»: ويليام جيننجز برايان، وثيودور روزفلت، وروبرت إم لافوليت، ووودرو ويلسون. كما قاد العمدتان توم جونسون وسام جونز (صاحب القاعدة الذهبية) تغييراتٍ في مدنهما بولاية أوهايو، وهكذا الحال بالنسبة لهيرام جونسون حاكم كاليفورنيا وجيمس فاردامان حاكم ميسيسيبي. وتزعم لينكولن ستيفنز، وإيدا تاربيل، وباقي المناضلين الإصلاحيِّين الكاشفين للفساد (المعروفين ﺑ «المُنظِّفين») ما سيُطلَق عليه فيما بعدُ الصحافةُ الاستقصائية. وضمَّ التربويُّون التقدميون رؤساء جامعات وفلاسفة وعلماء اجتماع. وفي مجال العمل الخيري، دعم جوليوس روزنفالد معهد تاسكيجي الذي أسَّسه بوكر تي واشنطن، بينما ضخَّت مؤسسة روكفلر الملايين في مجالَيِ التعليم والصحة في ولايات الجنوب. كذلك قاد المعمدانيُّ والتر راوشنبوش، والأسقفيُّ دبليو دي بي بليس، والكاثوليكيُّ جون إيه راين كنائسَهُم نحو العدالة الاجتماعية، وبحلول عام ١٩١٠، أيَّدت جميع الطوائف البروتستانتية ما أُطلِق عليه حركة الإنجيل الاجتماعي. وساهمت فكرةٌ مبتكرةٌ هامةٌ ميَّزت الحقبة التقدمية — وهي مراكز التكافل الاجتماعي — في محاربة الفقر والجهل والمرض والظلم في العديد من المدن، وتَزَعَّم هذه الحركة على نحو بارز جين آدمز وإيلين جيتس ستار في شيكاجو، وليليان فالد وفلورنس كيلي في نيويورك، وماري ووركمان في لوس أنجلوس.


تحتاج الحركات الإصلاحية الناجحة إلى مؤيدين بقدْر احتياجها إلى قادة، وقد حَظِيَتِ الحركة التقدمية بملايين المؤيدين في أنحاء أمريكا، الذين انتخبوا المشرِّعين ممَّن وضعوا تشريعات تقدمية في قوانين الولايات، بدءًا من ماساتشوستس إلى كانساس وكاليفورنيا. وفي حين ضغط بعض التقدميين من أجل إدخال إصلاح واحد أو اثنين، نادَى آخرون بإصلاحات واسعة النطاق. وبحلول الوقت الذي وَهَنَتْ فيه الحركة، كان قد تحقق الكثير من تلك الأهداف، لا سيما تلك التي هدفت إلى تخفيف بعضٍ من مظاهر الظلم — أو مظاهر الجَور كما كان يقول التقدميون — والمشكلات التي تفاقمت وتفشَّت جرَّاء الاقتصاد الرأسمالي غير المنظَّم الذي ظَهَر بعد انتهاء الحرب الأهلية عام ١٨٦٥.
عكستِ الحركة التقدمية إجماعًا متزايدًا — وإن كان مؤقتًا — بين الأمريكيين على أن التغيُّرات الكبرى التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر أسفرتْ عن أوضاعٍ غير متوازنة غير مرغوب فيها وغير متَّفقة مع المبادئ الأمريكية في مجتمعهم. تمثَّلت دلائل هذه الأوضاع في ظهور طبقة جديدة من الأثرياء المُولَعين بالتباهِي، الذين تُقدَّر ثرواتهم بالملايين، والشركات الاحتكارية الخارجة عن السيطرة، والصراع (العنيف في أغلب الأحوال) بين العمال والرأسماليين، وردود الأفعال الفاترة من قِبَل الحكومات. زاد التخوُّف التقليدي من المدن، وذلك مع زيادة عدد المُدُن المتوسطة الحجم وتوسُّع عدد من المدن الكبيرة الحجم، ولم ينتقل إليها فقط النازحون من الريف الأمريكي، بل أيضًا المهاجرون من أجزاء غير معتادة من أوروبا وآسيا. بدا أن المدن تُفرِز أمراضًا اجتماعية — الفقر والبِغَاء والمَرَض والسُّكْر واليأس — ولكنَّ هذا لا يعني أن الريف، لا سيما في الجنوب، كان خاليًا من تلك الأشياء. لكن المدن، وبخاصة المدن الكبيرة، جذبت انتباهًا أكبر.

بيانات الكتاب
الأسم : الحركة التقدمية في أمريكا
المؤلف :  والتر نوجنت
المترجم : مروة عبد الفتاح شحاتة
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 151 صفحة
الحجم : 16 ميجابايت





إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget