المملكة الحيوانية لــ بيتر هولاند



في خبراتنا اليومية، من السهل أن نحدِّد أيُّ الكائنات الحية حيوانات وأيها غير ذلك. فعند سيرنا في مدينة ما، قد نُصادف قططًا وكلابًا وطيورًا وقواقع وفراشات، وندرك أنها جميعًا حيوانات. علينا أن نضع البشر أيضًا في هذه القائمة. على النقيض، ليس لدينا شكٌّ في أن الأشجار والحشائش والزهور والفطريات التي نصادفها ليستْ حيوانات رغم أنها أيضًا كائنات حية. إن مشكلة تحديد «حيوان» أو التعرف عليه تنشأ عندما نتطرق إلى بعض الكائنات الحية غير المعتادة، التي يكون الكثير منها مجهريًّا؛ لذا، من المفيد البحث عن معايير دقيقة للإجابة عن السؤال: «ما هو الحيوان؟»
إحدى الصفات التي تشترك فيها كل الحيوانات أنها «عديدة خلايا»؛ وذلك يَعنِي أن أجسامها تتكون من
العديد من الخلايا المتخصصة. ووفقًا لهذا المعيار، فإن الكائنات الوحيدة الخلية مثل الأميبا المعروفة لا تُعتَبَر حيوانات، وذلك على عكس الآراء التي كانت سائدة منذ قرن مضى. الواقع أن كثيرًا من البيولوجيين يحرصون على تجنب مصطلح protozoa بمعنى «الحيوانات الأولية» في حالة كائنات مثل الأميبا؛ نظرًا لأنه من واقع التعريف، لا يمكن لكائن ما أن يكون proto (أي «أوليًّا»، وتعني الكلمة أنه يمتلك خلية واحدة)، وzoa (وتعني حيوانًا) في الوقت نفسه.
إن تكوُّن الجسم من العديد من الخلايا معيار ضروري، ولكنه ليس كافيًا في حدِّ ذاته؛ إذ توجد الخاصية نفسها أيضًا في النباتات والفطريات، وفي بعض كائنات أخرى مثل العفن الغروي، وليس أيٌّ منها حيوانًا. ثمة خاصية هامة ثانية للحيوانات، وهي أنها تحصل على الطاقة اللازمة للحياة عن طريق أكل كائنات أخرى أو أجزاء منها، إما ميتة وإما حيَّة. وهذا على عكس النباتات الخضراء التي تستغلُّ طاقة الشمس عن طريق التفاعلات الكيميائية لعملية البناء الضوئي التي تحدث داخل البلاستيدات الخضراء. ثمة نباتات تُضيف إلى البناء الضوئي عملية التغذية (مثل نبات خنَّاق الذباب)، وحيوانات تأوي داخلها طحالب خضراء حية (مثل المرجان والهيدرا الخضراء)، ولكن هذه الحالات لا تَطمِس الفرق الأساسي على نحو كبير.
ثمة خاصية يُنوَّه عنها كثيرًا، وهي قدرة الحيوانات على الحركة وعلى استشعار بيئتها. ينطبق هذا المعيار تمامًا على الحيوانات، ولكنْ علينا أن نتذكر أن كثيرًا من النباتات لها أجزاء يمكنها التحرك، في حين أن العفن الغروي الخلوي (وهو ليس حيوانًا) يمكنه تكوين تركيب يشبه البزاق بطيء الحركة.


إن تكوين خلايا حيوانات منوية وبويضات بأحجام مختلفة إلى حدٍّ كبير يُعتَبَر خاصية أخرى تميز الحيوانات، وهي خاصية ذات دلالات شاملة بالنسبة إلى تطور سلوك الحيوان، لكنها ليست من الخصائص التي يمكن ملاحظتها بسهولة. ولعل أكثر الصفات التركيبية ثباتًا نجدها عند إجراء فحص دقيق لخلايا حيوانات يافعة. فعلى الرغم من أن للحيوانات أنواعًا عديدة مختلفة من الخلايا، فثمة نوع واحد من الخلايا أثَّر على التكوين البيولوجي للحيوانات وعلى تطور المملكة الحيوانية، والخلية المعنيَّة هنا هي الخلية الطلائية. هذه الخلايا تتخذ شكل القرميد أو العمود؛ حيث تفتقد الجدار الخلوي الصلب الموجود في النباتات. تترتب الخلايا الطلائية في طبقات مرنة مع وجود بروتينات متخصصة تعمل على تماسك الخلايا المتجاورة، وبروتينات أخرى تسدُّ الفُرَج الواقعة بين الخلايا لتكوين طبقة غير منفذة للماء. وتوجد طبقات الخلايا أيضًا في النباتات، لكن تركيبها يختلف إلى حد كبير؛ حيث تكون أقل مرونة وأكثر نفاذية.
إن طبقات الخلايا الطلائية في الحيوانات جديرة بالملاحظة لأسباب وظيفية وتركيبية. يمكن للطبقات الطلائية التحكم في التراكيب الكيميائية للسوائل على كلا جانبَيِ الطبقة الطلائية؛ مما يسمح للحيوانات بتكوين أماكن مملوءة بالسوائل لأغراض متنوعة؛ مثل دعم الجسم أو تركيز الفضلات الناتجة. كانت الأماكن المملوءة بالسوائل من ضمن أوائل التراكيب الهيكلية في الحيوانات، كما كانت عاملًا سمح بزيادة الحجم خلال عملية التطور إلى جانب التحرك على نحو فعَّال من حيث الطاقة.



بيانات الكتاب
الأسم :  المملكة الحيوانية
المؤلف : بيتر هولاند
المترجم : منير علي الجنزوري
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 143 صفحة
الحجم : 30 ميجابايت
الطبعة الأولى ٢٠١٦م


إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget