الفلسفة القارية لــ سايمون كريتشلي



الفلسفة هي حُب الحكمة؛ فإذا كنت تعتقد أنك تحب الحكمة، فإن الفلسفة هي المجال الذي يُفترض أن تدرسه. ولكن ما هي الحكمة التي تُعلِّمُنا إياها الفلسفة؟ بالنسبة إلى سقراط، وتقريبًا كل الفلاسفة القدماء الذين جاءوا من بعده، الحكمة التي تعلمنا إياها الفلسفة تتعلق بما قد يعني عيش حياة بشرية طيبة. وكان بديهيًّا في معظم الأفكار الفلسفية القديمة أن الحياة البشرية الطيبة تكون أيضًا حياة سعيدة. وفي إطار هذا التصوُّر — الذي يوجد تعبيرٌ واضحٌ عنه لدى أرسطو، ولكنه يكون مفترضًا من قِبل
المدارس الهلينستية اللاحقة مثل المدرسة الرواقية — فإن الفلسفة تسمح بتحقيق أعلى درجة من السعادة، وهي حياة التأمل الزاهد؛ ومن ثَمَّ فإن الفلسفة هي الحياة التأملية، الحياة التي توضع قيد الاختبار والفحص، ويصير الافتراض أن الحياة غير المختبرة لا تستحق أن تُعاش. فينبغي أن تشكِّل الفلسفة البشر، لا أن تعلِّمهم وتوجِّههم فحسب.
ولكن يجب ألا ننسى أنه على الرغم من أن الحياة غير المختبرة لا تستحق العيش، فإن الحياة التي لا تعاش لا تستحق التأمل، والفلسفة عند القدماء لم تنفصل عن التقلُّبات الفعلية التي تحدث في الحياة الاجتماعية اليومية. بل إن الفلسفة باعتبارها ممارسة تأملية لفحصِ ما يُعتقد أنه حقيقة باسم الحقيقة هي شيء كان يحدث فيما سماه الإغريق «الدولة»؛ أي المجال العام للحياة السياسية. فكانت الفلسفة نشاطًا «عمليًّا» بارزًا، يختلف على نحو ملحوظ عن الشكل الاستقصائي النظري على نحو كبير الذي أصبحت عليه الفلسفة بدايةً من القرن السابع عشر.في الجنوب، كان خاليًا من تلك الأشياء. لكن المدن، وبخاصة المدن الكبيرة، جذبت انتباهًا أكبر.



في التصور القديم، الحكمة التي تعلِّمنا الفلسفةُ حُبَّها هي السعي لتحقيق حياة طيبة، حياة تفكير وتأمل، ستكون بحكم تعريفها حياةً سعيدة. والآن، وربما على نحو غريب، هذا هو النموذج الذي يعتقد معظم الأشخاص خارج مجال الفلسفة — أي خارج مجال الدراسة الأكاديمية للفلسفة — أن معظم الأشخاص داخل مجال الفلسفة يخضعون له، وهذا هو السبب في أنهم يفترضون على نحو طبيعي تمامًا أن المسألة الرئيسية في الفلسفة يجب أن تكون معنى الحياة. وبوضع هذه الفكرة في الاعتبار، تخيل المشهد التالي: تلتقي فيلسوفة أكاديمية شخصًا غريبًا في حفلة ويسألها: «ما عملك؟» تجيب بأنها فيلسوفة، ويتجرأ الغريب لِلَحظة، ولافتقاده لأي شيء يقوله غير ذلك يسأل: «ما معنى الحياة إذن؟» عند هذه المرحلة، يحدث بعض الضحك العصبي مع محاولةٍ قلقةٍ من جانب الفيلسوفة إما لتغيير الموضوع بأسرع وقت ممكن، وإما للشرح بابتسامة خَجِلة أن الدراسة الأكاديمية للفلسفة لا تتعلق في الحقيقة بمثل هذه الأمور. والآن، وبقدرِ ما أجد هذا الموقف مُحرجًا اجتماعيًّا، أعتقد أن الشخص الغريب لديه ما يبرر افتراضه تمامًا. بعبارة أخرى، إذا لم تعالج الفلسفةُ مسألةَ معنى الحياة — ليس بالضرورة أن تتوصل لكُنْهِهَا، ولكن على الأقل تدرسها — فإنه يمكن القول إن الفلاسفة لا يقومون بعملهم على نحو صحيح.
في رأيي، المشكلة هنا لا تتعلق بالأشخاص خارج مجال الفلسفة أكثر من تعلقها بالأشخاص داخله؛ فلاسفتنا الأكاديميين. فبالنسبة إلى معظمنا، فكرة أن الفلسفة ربما تكون متعلقة بمسألة معنى الحياة أو تحقيق حياة بشرية طيبة وسعيدة تُعد إلى حدٍّ ما مزحة؛ مزحة سخيفة بالتأكيد. فمثل هذه المسائل يدرسها مجال ما يسمى تجاوزًا «علم النفس الشعبي». عمومًا، الفلسفة الأكاديمية سلمت عن طيب خاطرٍ هذا المجال إلى هذا المد الكبير المتواصل الزيادة من الكتب التي تدور حول «العقل والجسد والروح»؛ تلك الرفوف من كتب العصر الجديد الزاهية الألوان التي تقبع على نحو محرج بالقرب من أقسام كتب الفلسفة المتواصلة التقلص في المكتبات الموجودة في الشوارع الرئيسية. لقد تخلت الفلسفة الأكاديمية إلى حدٍّ كبيرٍ عن هذه المعارك واختارت التقاعد المبكر.

بيانات الكتاب
الأسم :الفلسفة القارية
المؤلف :  سايمون كريتشلي
المترجم : أحمد شكل
الناشر : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
السلسلة : مقدمة قصيرة جداً
عدد الصفحات : 143 صفحة
الحجم : 30 ميجابايت



إرسال تعليق

[blogger]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget